Share

كيف ساهمت نظريات آدم سميث في بناء الاقتصاد الذي نعرفه اليوم؟

الاستهلاك هو الغرض الوحيد للإنتاج كله، قد تختصر هذه الجملة علم الاقتصاد كلّه
كيف ساهمت نظريات آدم سميث في بناء الاقتصاد الذي نعرفه اليوم؟
يتألّف الاقتصاد من شركات، مستهلكين، مصرف مركزي، وحكومة

الاستهلاك هو الغرض الوحيد للإنتاج كله، قد تختصر هذه الجملة لصاحبها الفيلسوف والاقتصادي آدم سميث، علم الاقتصاد كلّه.

فالاقتصاد بمعناه البسيط، يتألّف من شركات، مستهلكين (عمّال)، مصرف مركزي (المسؤول عن السياسات النقدية)، وحكومة (المسؤولة عن السياسات المالية).

ويحتاج الاقتصاد للشركات التي تؤمّن فرص عمل ومنتجات تلبي حاجات المستهلكين، وإلى مستهلكين يشترون السلع فيحققون أرباحا للشركات لتتمكّن من الاستمرار وتغطية مصاريفها التشغيلية، ومن ضمنها رواتب الموظفين.

ومن هنا تبرز العلاقة التي تحدّث عنها سميث بين الإنتاج والاستهلاك، والتي بفضلها وضع سميث الركيزة التي يدور حولها اقتصادنا اليوم.

ويعتبر سميث، الفيلسوف الليبرالي، مؤسس علم الاقتصاد السياسي، حيث وضع مبادئ هذا العلم في كتابه ثروة الأمم، لا بل وصفه البعض بأب الاقتصاد، وهو ما سنفهم أسبابه، بعد شرح أهمّ نظرياته في مقالنا.

مبدأ التجارة الحرّة

واهتمّ آدم سميث بزيادة ثروات الأمم والأفراد، فكانت من ضمن نظرياته الأساسية الهامة، نظرية الميزة التنافسية المطلقة، حيث اعتبر أنّ كل ّدولة تتمتّع بخصوصيّة في منجاتها الزراعية والصناعية، وهو ما يؤثّر على اختلاف سعر سلعة بين دولة وأخرى.

حيث أنّ تكلفة انتاج سلعة معيّنة في دولة ما قد تكون أقلّ من أخرى في دولة مغايرة. والسبب يعود، إلى عوامل عدّة تتعلّق بخصوصية الدول، كتوفّر المواد الأولية للإنتاج، أو اعتماد الحكومات سياسات لدعم الصناعات المحليّة عبر إعفائها من الضرائب وتأمين الكهرباء بأسعار منخفضة، أو توفّر العقول والأدمغة الصناعيّة، أو أن تكون الدولة تتمتّع بتقنيات متطوّرة في الإنتاج تخفّض من الكلفة على أصحاب المصانع وتسمح بإنتاج كميّات ضخمة بوقت قصير، أو أن تكون اليد العاملة رخيصة في هذا البلد.

وجميع ما تمّ ذكره من خصائص، ينعكس إيجابا على سعر السلعة الذي عادة ما يكون منخفضا بالمقارنة مع سلع دول أخرى.

ومن هذا المنطلق يقول سميث بوجوب اعتماد التجارة الحرة بين الدول، بحيث تقوم الدولة التي تتوافر منتجات خارجها بسعر أقلّ مما لديها، باستيراد هذه المنتجات من الدولة ذات السعر الأقلّ.

ومبدأ التجارة الحرة، الذي تحدّث عنه آدم سميث، أصبح معتمدا في معظم دول العالم اليوم. وهو يسمح بتجارة البضائع والخدمات دون ضرائب (ولا تعاريف جمركية) ولا حواجز تجارية أخرى (كفرض حصص التوريد أو الدعم الحكومي للمنتِجين) ويغيّب السياسات المعيقة للتجارة (القوانين والتشريعات) التي تفضّل بعض الشركات أو الأُسَر أو مصانع الإنتاج على بعض. وتضمن الوصول الحرّ إلى الأسواق ومعلومات السوق. كما تكسر احتكار الشركات للأسواق أو احتكار القلّة الذي تفرضه الحكومة.

ونتج عن هذا المبدأ ما يعرف اليوم بمنطقة التجارة الحرّة، وهو نوع من التكتل التجاري بين عدد من الدول، وافقت على إلغاء التعريفات الجمركية والحصص والتفضيلات على معظم أو كل السلع الوطنية والخدمات المتداولة بينهما. وتعتبر هذه الخطوة في اقتصادنا الحديث المرحلة الثانية من التكامل الاقتصادي بين الدول.

أهمّ التكتلات التجارية او المناطق الحرة حول العالم

اتفاقية التجارة الحجرّة بين الصين وأكثر من 15 دولة في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي وهو يعدّ أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم. يسهم في بناء سوق عملاقة تضم أكثر من 2.3 مليار شخص. وتضمّ إلى جانب الصين: دول الآسيان العشر، بالإضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان.

كما تنتشر المناطق الحرّة في الدول العربية، ويتجاوز عددها 127 منطقة. وأبرزها منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتضمّ، البحرين، الكويت، سلطنة عمان، السودان، اليمن، مصر، لبنان، فلسطين، سوريا، الجزائر، العراق، ليبيا، قطر، تونس، الأردن، المغرب، السعودية، الإمارات.

وإلى ما تقدّم، تنضمّ مناطق التجارة الحرة في أوروبا، ومنها نذكر: منطقة التجارة الحرة في بحر البلطيق (BAFTA) واتفاقية التجارة الحرة في أوروبا الوسطى (CEFTA).

اقرأ أيضا: أوّل أزمة اقتصاديّة في التاريخ.. ماذا تعرف عن أزمة الائتمان؟

تحرير الاقتصاد

ولعلّ أبرز أفكار سميث التي يثبت أهميّتها، التطوّر والنقلة النوعية التي تشهدها الدول العربية في اقتصادها وعلى رأسها الإمارات والسعودية، هي فكرة “تحرير الاقتصاد” وما يمكن أن يعرقل حركته.

وأسفرت هذه النظرية عن انشاء مفهوم تقسيم العمل، والاستثمار في جميع قطاعات الاقتصاد بدل الارتكاز على قطاع واحد دون سواه.

وهو ما بدأت تطبّقه الدول العربية في خططها للتنويع الاقتصادي (رؤية السعودية 2030، رؤية الإمارات 2071). حيث انتقلت هذه الدول من الارتكاز على النفط كقطاع رئيسي للاقتصاد، إلى دعم وتنمية جميع القطاع وعلى رأسها قطاع السياحة والخدمات، والقطاع التكنولوجي، إلى جانب قطاعات الصناعة والتجارة والتعليم والطب. إلخ.

المنفعة الشخصية

وإلى ذلك ننتقل لمبدأ ثالث تحدّ عنه سميث وهو مبدأ المنفعة الشخصية. فبرأيه، إنّ المصلحة الشخصيّة للأفراد متمركزة في غريزتهم وهي تلد معهم، ولذلك فانّ تحقيق المنفعة الاجتماعية ينطلق دائما من منفعة شخصيّة.

وعلى سبيل المثال، فانّ الطبيب وعلى الرغم من أنّ لمهنته بعدا أخلاقيا، ويهدف من خلالها إلى مساعدة الناس وبالتالي تحقيق منفعة اجتماعية، إلاّ انّ الهدف الرئيسي للطبيب هو تحقيق عائد مالي من وظيفته.

والقاعدة نفسها تطبّق على جميع المهن والمصالح، حيث أنّ المنافع التي تسببها المصالح بين أفراد المجتمع ليست ضرورياً أن ترتبط بالخيرية. بل هي تنطلق دائما من منافع شخصيّة.

ولعلّ هذا المبدأ هو ما يحرّك الاستثمار وتأسيس الشركات وأيّ دراسة أو تطوّر يطرأ على البشريّة. حيث ان مؤسس الشركة وغن وفّر فرص عمل لعدد كبير من الناس، وغن ساهم بتنمية الناتج المحلي لدولة ما، غنّما هدفه من تأسيس شركته بالأساس هو تحقيق ربح مالي بالدرجة الأولى، أي منفعة شخصيّة قبل المنفعة الاجتماعية.

كما أن المخترعين، وإن ساهمت اختراعاتهم بتطوير مجتمع ما، وتسهيل حياة الأفراد، أو تسهيل عمل المؤسسات الخاصة والعامة، فان الهدف الرئيسي من اقدامهم على اختراع أي شيء هو بيع هذا المنتج او الخدمة او الفكرة، وتحقيق الأرباح الماليّة، أو دخول التاريخ مثلا كمخترع آلة ما، حيث أنّ الدوافع الشخصيّة قد لا تكون دائما ماديّة.

وهو ما يبدو منطقيا، ونقطة انطلاق مهمّة، لفهم أيّ استثمار أو حركة اقتصادية تدور حولنا اليوم.

حرية تصرف الفرد في ماله تجاريا

وأخيرا تحدّث سميث عن نظرية “حرية تصرف الفرد في ماله تجاريا”: إذا لم تفرض الدولة شروطا أو اتجاهات محددة لتصرف الأشخاص في أموالهم فسوف يعمل كل منهم في اتجاه مصلحته التي تصب في مصلحة الأمة كلها.

ويعتقد آدم سميث أن القانون الطبيعي يمكن تطبيقه على الأمور الاقتصادية، فبرأيه كل فرد مسؤولاً عن سلوكه، أي أنه أفضل قاضٍ في مصلحته، وأن هناك يدًا غير مرئية ترشد كل فرد الذي بدوره يوجه آلية السوق.

فإذا كان الشخص حراً، سيسعى لمضاعفة ثروته بمعنى أنه سيسمح للسوق بتحديد العرض والأسعار لنفسه.

الإنتاجية

كما تناول الإنتاجية كمقياس للثروة التي يمكن مضاعفتها بتقسيم العمل، معتبرا أنّ ثروة كل أمة تقاس بقدرتها الإنتاجية.

وهو ما نشهده اليوم، حيث تتنافس كل ّدول على تقوية دخلها القومي، أو ناتجها القومي، أو الناتج المحلي، وهو مجموع الدخل المكتسب في بلد ما خلال فترة زمنية معينة، عادةً ما تكون سنةً واحدة.

ويوضح هذا الرقم إن كانت البلاد المعنية تنمو أم أنها تتراجع. ويستعمل الاقتصاديون أرقام الدخل القومي لمقارنة الاقتصاديات المختلفة للبلدان.

وتعد اليوم، كل ّمن الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان وألمانيا والهند، أكبر الاقتصادات في العالم في عام 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

وتأتي أميركا في المرتبة الأولى لهذه الدول، محافظة بثبات على مكانتها في القمة منذ عام 1960 بناتج محلي إجمالي يبلغ 26,854 تريليون دولار، ونصيب الفرد 80,030 دولارًا، فيما معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 1.6 في المئة

أمّا الصين، فانتقلت من المرتبة الرابعة في عام 1960 إلى المرتبة الثانية في عام 2023. ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 19,374 ترليون دولار، ونصيب الفرد 13,720 دولارًا، فيما معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 5.2 في المئة.

في المحصلّة يبقى ما عرضناه، نقطة في بحر المبادئ والأفكار الاقتصاديّة التي أطلقها آدم سميث وأسس من خلالها علم الاقتصاد السياسي، والذي يعتبر مرجعا لاقتصادات جميع دول العالم اليوم، والفكر الذي تستند عليه المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من الأخبار الاقتصادية.