في قرار متوقع على نطاق واسع، رفع المصرف المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس (2 في المئة) في اجتماع لجنة السياسة النقدية. كما رفع سعر الفائدة على الإقراض لأجل ليلة واحدة إلى 12.25 في المئة من 10.25 في المئة، وزاد سعر الإيداع لليلة واحدة إلى 11.25 في المئة من 9.25 في المئة.
يأتي هذا القرار بعد أيام على إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن خطة حكومية لطرح مجموعة واسعة من الأصول الحكومية لمستثمري القطاع الخاص بهدف الانسحاب الكامل من قطاعات اقتصادية محددة، في الوقت الذي تسعى فيه لجذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وكان محافظ المصرف المركزي المصري، طارق عامر، أعلن الأربعاء، أن المصرف المركزي قام بتصحيح سعر الصرف في مارس/آذار الماضي ونتجت عنه زيادة في تدفقات النقد الأجنبي بنسبة 30 في المئة خلال الشهر ذاته. اضاف إن رفع أسعار الفائدة في توقيتات محددة لمواجهة التضخم كان ضرورياً، لأن مهمة المصارف المركزية معالجة آثار التضخم، وتحمل تداعياتها السلبية المؤقتة.
وفاجأ المصرف المركزي المصري الجميع بعقد اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية في 21 مارس/آذار الماضي، حين قرر رفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس على الإيداع والإقراض، لتصل إلى 9.25 و10.25 في المئة على التوالي.
انعكاسات رفع الفائدة
لاشك أن رفع الفائدة في مصر كانت خطوة متوقعة للجم التضخم الذي يواصل ارتفاعه بوتيرة تفوق التوقعات ليصل الى 12.3 في المئة في أبريل/نيسان. وتشير التوقعات الى انه قد يصل الى 17 في المئة في أغسطس/آب المقبل.
كما أن تشدد المصرف المركزي في سياسته النقدية تستهدف الأموال الساخنة التي خرجت بالمليارات من مصر نتيجة عوامل محلية وعالمية، في ظل رفع الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة، ما ساهم في تخارج الاموال من الاسواق الناشئة عموما، ومنها مصر. ويقدّر حجم الاموال التي خرجت من مصر منذ بداية العام 2022 بـ20 مليار دولار، وذلك على خلفية الأوضاع العالمية الجيوسياسية وتأثيرها على شهية الاستثمار الأجنبي بوجه عام في الأسواق الناشئة.
وبالتالي، فان التحدي الاكبر بقاء هذه الأموال أو جذب غيرها بفعل الفائدة المرتفة سيؤدي الى تعزيز الاصول الاجنبية لدى المصارف المصرية.
ومن شأن رفع الفائدة أيضاً أن يساعد المصرف المركزي في تقليص حجم الكتلة النقدية داخل الاسواق، وهذا بدروه يؤدي الى تراجع الاستهلاك بحيث تستعيد الاسواق برمجة القوة الشرائية بناء على السيولة المتوافرة.
فيتش
تقول وكالة “فيتش” في مذكرة لها أمس قبيل صدور قرار “المركزي” المصري وتوقعت فيها رفع الفائدة بواقع 2 في المئة، إن “صافي الأصول الأجنبية للمصارف المصرية يجب أن يستمر في التعافي بعد خفض قيمة الجنيه المصري بسبب تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب من نظام سعر الصرف الأكثر مرونة وبرنامج صندوق النقد الدولي الجديد… ستدعم أسعار الفائدة المرتفعة ربحية المصارف، ولكن ، إلى جانب التضخم المرتفع، يمكن أن يضغط على جودة الأصول”.
وتضيف أن صافي المطلوبات الأجنبية للمصارف ارتفع إلى 185 مليار جنيه مصري (12 مليار دولار) في نهاية فبراير/شباط 2022 مقارنة بصافي أصول أجنبية بالغ 26 مليار جنيه مصري في نهاية يونيو/حزيران 2021.
“نعتقد أن هذا كان مدفوعاً من قبل مصارف القطاع العام باستخدام الأصول الأجنبية لشراء الأوراق المالية بالعملات التي تصدرها الدولة لتمويل عجز الحساب الجاري وآجال الاستحقاق القادمة”، بحسب ما جاء في المذكرة.
وانخفضت الودائع لدى المصرف المركزي المصري في مارس/آذار بمقدار 7.4 مليارات دولار حيث استخدمها لتغطية التدفقات الخارجية الكبيرة.
لكن “فيتش” لا نتوقع أن تحتاج المصارف المصرية إلى رأس مال جديد نظراً إلى احتياطيات رأس المال “المريحة”.
المخاطر
وفي المقلب الآخر، هناك 3 مخاطر لرفع الفائدة هي الركود وتراجع معدل النمو وتضرر البورصة والاستثمار. فمع رفع الفائدة، سيتراجع الطلب على الاقتراض، فيما سيرتفع الطلب على إيداع الأموال. وهذا كله يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي، عبر تراجع وتيرة الاستثمار وضعف وتيرة الإنفاق.
وهذا يعني أن مفاصل الدورة الاقتصادية ستتضرر وستؤثر سلباً على بيئة العمل.
لجنة السياسة النقدية
وكانت لجنة السياسة النقدية توقعت في بيانها أمس، أن يستمر النشاط الاقتصادي في التوسع، بوتيرة أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، ويرجع ذلك جزئياً إلى التداعيات غير المواتية للتطورات الدولية الناشئة عن الحرب الروسية – الأوكرانية. ورجحت أيضاً أن تتجاوز معدلات التضخم المعدل الذي يستهدفه المصرف بين 5 في المئة و9 في المئة في المتوسط خلال الربع الأخير من العام الجاري، مؤقتاً قبل أن تعاود الانخفاض تدريجياً.
وأرجع ” ارتفاع أرقام التضخم في أبريل/نيسان إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري في مارس/آذار الماضي، بالإضافة إلى ما سماه”الأنماط الموسمية” التي ساهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ وهي الظروف الجوية السيئة وارتفاع أسعار الأسمدة