على وقع استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول، تبدأ اليوم الاثنين اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن وتستمر حتى الرباع والعشرين من الجاري، حيث يهيمن على جدول الأعمال التأثير الاقتصادي العالمي للحرب الروسية – الأوكرانية والمخاوف من الأمن الغذائي.
وسيكون ملف ما تعانيه مصر على جدول المناقشات كما أعلنت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا التي قالت في تصريح لـ”بلومبرغ”، إن صندوق النقد الدولي سيجتمع مع دول، من بينها سريلانكا ومصر وتونس، لمناقشة الخطوات الواجب اتخاذها لمساعدتها في الوقت تتسبب الظروف المالية المشددة بزيادة تكلفة خدمة ديونها. واضافت “سنجلس مع المسؤولين المصريين لمناقشة ارتفاع مستوى الديون في البلاد”. وأوضحت أن الصندوق يتابع مسألة الديون “ونركز بالفعل على البلدان التي تحتاج إلى إعادة هيكلتها.. علينا الضغط من أجل إعادة هيكلة الديون”.
يشعر صندوق النقد الدولي بقلق بالغ من حدوث أزمة ديون عالمية في هذه المرحلة، سيما وأن الحرب على أوكرانيا فاقمت مشكلات الديون في جميع الدول النامية، حيث تكافح العديد من الحكومات المثقلة بالديون لسداد مدفوعاتها إلى الدائنين الأجانب وسط ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة.
ديون مصر السيادية سترتفع بشكل كبير
وهذا هو ما يتخوف منه المسؤولون الماليون الدوليون حيال مصر التي يبدو أنها تتجه نحو أزمة ديون. إذ يُتوقع أن تسجل ديونها السيادية ارتفاعاً كبيراً خلال العام الحالي 2022، بحسب ما تظهره بيانات وكالة “ستاندرد آند بورز”. هذه الأخيرة توقعت أن تصل الديون السيادية لمصر مع نهاية العام الحالي إلى 391.8 مليار دولار بعدما كانت سجلت مستوى 184.9 مليار دولار في 2017.
وبحسب التقرير الذي اطلع عليه “إيكونومي ميدل إيست”، فإنه من المتوقع أن تصبح مصر أكبر مُصدّر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة بإصدارات تصل إلى 73 مليار دولار خلال العام الحالي. وهذا سيتجاوز ما اقترضته العام الماضي من خلال بيع السندات بنحو 10 مليارات دولار (63 مليار دولار).
إلا أن جزءاً من هذه الإصدارات المرتقبة سوف يذهب لسداد ديون سابقة وليس لتمويل مشاريع إنتاجية تساعد في إخراج البلاد من دائرة الديون المفرغة التي تجد نفسها فيها. فبقراءة للأرقام الواردة في تقرير “ستاندرد آند بورز”، يتبين ان الديون لاسايدية في مصر ارتفعت بوالي 43.4 مليار دولار في عام واحد، من 348.4 مليار دولار في 2021 إلى 391.8 مليار دولار متوقعة في 2022. وهذا يعني أن الجزء الأبر من الاصدارات المنوي القيام بها هذا العام سيذهب نحو سداد استحقاقات الديون السابقة.
لا بديل عن الاقتراض
لقد حاولت الحكومة في القاهرة التخفيف من حدة الأزمة عن طريق خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار ورفع أسعار الفائدة. لكنها لم تلق النتيجة التي كانت تستهدفها، وبالتالي فإن الخيار الثاني هو توسيع الاقتراض من أجل تغطية الحاجات المالية. لكن لهذا الخيار تحدياته مع ارتفاع تكلفة إعادة التمويل الخارجي من خلال التضييق النقدي الذي يعتمده الاحتياطي الفدرالي وتأثيره على الاسواق المالية.
لذا، فان مصر تطرق حالياً أبواب صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم المالي، حيث تشير التوقعات الى امكان حصولها على قرض بقيمة 3.5 مليارات دولار، فيما وردها دعم كبير من السعودية والامارات وقطر يتخطى بأشكال مختلفة الـ20 مليار دولار.
وقد طرحت مصر سندات دولية المعروفة بسندات “الساموراي” بنحو 500 مليون دولار في مارس/آذار الماضي، للمرة الاولى في الشرق الأوسط. وتنوي إصدار صكوك إسلامية وسندات خضراء قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل، إلى جانب سندات دولية بحوالي 5 مليارات دولار في السنة المالية المقبلة، (2022- 2023)، بحسب تصريح لنائب وزير المالية المصري أحمد كجوك.
وكانت رئيسة صندوق النقد الدولي قد أكدت خلال لقائها وزير المالية المصري محمد المعيط على هامش قمة الحكومات التي انعقدت في دبي، أن الصندوق سيظل داعماً لمصر لاستكمال قصة نجاح الإصلاح الاقتصادي المصري. وأشادت بالتحرك المصرى السريع للتعامل مع تبعات ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الأساسية والنفط وتكاليف النقل والأزمة الروسية – الأوكرانية.
بيانات المصرف المركزي
وأظهرت الاحتياطي المصري بيانات المصرف المركزي المصري تراجع النقد الأجنبي بقيمة 3.9 مليارات دولار إلى 37.082 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي.
كما أظهرت بيانات حول ميزان المدفوعات، أن معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي خلال الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول من السنة المالية 2021 – 2022، أسفرت عن ارتفاع العجز في حساب المعاملات الجارية ليسجل نحو 7.8 مليارات دولار، مقارنة بنحو 7.6 مليارات دولار عن الفترة ذاتها من العام المالي السابق.
ورد المصرف المركزي ذلك إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري غير النفطي بمعدل 24.2 في المئة ليصل إلى نحو 23.8 ملیار دولار مقابل نحو 19.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق.
ويبدو أن المصرف المركزي سيحتاج الى رفع معدلات الفائدة من جديد في الأشهر القليلة المقبلة في إطار مساعيه لاحتواء التضخم الذي بلغ في مارس/آذار 12.1 في المئة على أساس سنوي.