لم أتوقع حدوث ذلك أو ربما غضضت الطرف عما كان يحدث. أجل، أرخت ضغوط التضخم العالمية بثقلها على كاهل الأسواق العالمية وأسهم التقنية، ولكن مع قيام المصرف الاحتياطي الفيدرالي و”المركزي الأوروبي” برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس كأنما لا يوجد غداً، كان من المحتم أن تتجه الأمور إلى بعض التحسّن، أليس كذلك؟
يرعب التضخم المستثمرين، لكن الاستمرار في خفضه يجعل من الصعب على هؤلاء الاقتراض وعلى المستهلكين الشراء.
لهذا السبب لم تشهد عملة البيتكوين المشفرة الشهيرة أي تقلّبات معتادة، بل ظلّت مستقرة لأشهر عدّة في حدود تتراوح بين 18 و22 ألف دولار.
ولكن من كان ليتوقّع إفلاس FTX، وانتشار تقارير تشير إلى نيّة Binance الاستحواذ عليها وإنقاذها من انهيار تام؟
جاءت التأثيرات كارثية على عملات البيتكوين والعملات البديلة، التي يقوم أصحابها الذين أصابهم الإرباك بتنفيذ عملية تصفية جماعي.
وقد يكون الأسوأ لم يأتِ بعد. فهل تكون “بيتكوين” أول الغيض؟
إقرأ أيضاً: 14 عاماً على الظهور الأول لـ”بيتكوين”: سقوط الجبابرة
العملات المشفرة إلى انخفاض
بعد فترة من التقلبات المنخفضة شهدتها العملات المشفرة، انخفض سعر البيتكوين بشكل حاد من 21,300 دولار في 5 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 16,400 دولار حتى كتابة هذه السطور، انخفاضاً بحوالي 5,000 دولار في 5 أيام، ولكن غالباً خلال الـ 48 ساعة الماضية عقب إفلاس FTX. مُنِي “بيتكوين” بخسائر بقيمة ألفي دولار في أقل من ساعتين، حيث شهدت انخفاضًا مفاجئًا بلغ 17,120 دولارًا على Bitstamp، وهو أقل من 17,600 دولار كان قد تمّ تسجيلها في يونيو/حزيران الفائت.
تسببت الزيادة في عمليات السحب في “أزمة سيولة” في FTX، وأدت هذه المخاوف بشأن الصحة المالية لشركة FTX إلى عمليات سحب بقيمة 6 مليارات دولار خلال ثلاثة أيام فقط. كان من المقرر أن تقوم FTX بتصفية كامل مقتنياتها من FTT (الرمز الخاص بـ FTX).
التصفية، في الواقع، أخبرت كامل الحكاية، بحيث بلغت القيمة الإجمالية للصفقات الطويلة والقصيرة التي جرى مسحها خلال فترة 24 ساعة 860 مليون دولار. وشهد تداول FTT / USD عند 3.60 دولاراً فقط خلال التعاملات اليومية، بانخفاض من 22 دولاراً قبل يومين فقط، ممّا أعاد إلى أذهان المستثمرين ما حدث جرّاء انهيار عملة Terra / LUNA المستقرة.
تراجعت Binance، أكبر بورصة عملات رقمية على مستوى العالم، والتي أعربت عن اهتمامها بخطة إنقاذ محتملة، عن صفقة للاستحواذ على منافستها الأصغر.
وقالت بينانس إنها لن تواصل الصفقة بعد العناية الواجبة. وقالت إن التقارير عن “سوء إدارة أموال العملاء وتحقيقات الوكالات الأمريكية المزعومة” كان لها الأثر في عزوفِها عن قرارها.
كانت FTX رابع أكبر بورصة من حيث الحجم، لذا فإن ذلك كان بمثابة ضربة هائلة لعملة البيتكوين والعملات البديلة، التي تعاني بالفعل من تأرجحات كبيرة على صعيد الأسعار.
أحداث مالية مسبّبة
شكّل الرقم 20 ألف دولار أحدث عتبة نفسية لـ”بيتكوين”، لكن هذا المستوى بدأ في التصدع مع الزيادة الرابعة على التوالي في سعر الفائدة الفيدرالي بمقدار 75 نقطة أساس إلى أعلى مستوى قياسي في الستة عشر عاماً الماضية.
دفع ذلك مستثمري التقنية إلى الانسحاب بشكل كبير من الأصول الخطرة والبحث عن خيارات أقل خطورة مثل الدولار الأميركيّ.
وسعى المشاركون الأكثر تحفظًا في عالم التشفير، أو ما يُعرف بـ HODLers، أو أولئك الذين لديهم موارد مالية كبيرة، إلى انتظار فترة عدم استقرار الاقتصاد الكلي.
ومع ذلك، لعبت عوامل أخرى دوراً في ذلك. انخفضت المعنويات بين مستخدمي Bitcoin حيث استمرت العناوين الجديدة على السلسلة في الانخفاض في مايو/أيار 2021 – بعد أن كانت سجّلت أعلى مستويات لها على مرّ السنين – بعدما فتح المشاركون الجدد في السوق محافظ جديدة وقاموا بالاستثمار في البيتكوين والعملات المشفرة.
إلى ذلك، باتت عملية تعدين العملات المشفرة تمثل مشكلة أساسية، حيث دفع معدل التجزئة وصعوبة الشبكة الشركات إلى بيع المزيد من العملات المعدنية لمواصلة تمويل أنشطة التعدين.
واعتباراً من 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بلغ متوسط تكلفة إنتاج “بيتكوين” 19,600 دولاراً مقابل سعر فوري يكاد يبلغ 18 ألف دولار. ويبدو أن التاريخ قد أعاد نفسه، بحيث حدث قبل أربع سنوات وضع مماثل أدى إلى تراجع التعدين الجماعي من قبل عمال المناجم. في الوقت الحالي، يكسب عمال المناجم 3.47 بيتكوين فقط في اليوم لكل Exahash (1 كوينتيليون)، أو 62,500 دولار، أي أقل بنسبة 25.2 في المئة من الربع الأخير. ويتجه هذا الرقم إلى انخفاض إضافي.
ومما يزيد الطين بلّة لناحية عودة الأسعار إلى معدّلاتها الطبيعية هو المنافسة المتزايدة بين شركات التعدين الضخمة مثل Riot Blockchain أو HIVE Blockchain Technologies.
كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الفائدة الاستثمارية والحفاظ على الضغط الهبوطي على المعدنين المشفرين وأسعار العملات المشفرة، في ظل وجود تقديرات تشير إلى إمكانية انخفاضات تتراوح بين 10 و13 ألف دولار.
يمثل ذلك حوالي استرداداً بنسبة 85 في المئة من أعلى ذروة لها قبل عام عند حوالي 70 ألف دولار، على غرار الهبوط الذي أصاب السوق في العام 2018، عندما انخفضت عملة البيتكوين بنسبة 84 في المئة، وفي العام 2015 عندما هوَت بنسبة 86 في المئة.