Share

٦ عوامل وراء أزمة الطاقة العالمية

كيف ستؤثر أزمة الطاقة على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة؟
٦ عوامل وراء أزمة الطاقة العالمية
رويترز

يروي فيلم The Perfect Storm، الصادر في العام ١٩٩١، القصة الحقيقية لأندريا غايل، وهو قارب صيد علق في عاصفة قاتلة تسببت بها  مجموعة من عوامل طقس لا تجتمع إلا فيما ندر.

وعلى ما يبدو فإن سوق الطاقة العالمي، التي تعتمد بشكل أساسي على موارد الهيدروكربون من نفط وغاز وفحم حجري، تواجه ظروفاً مماثلة في الندرة، أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بنسبة ٣٣٧٪، كما وارتفعت اسعار الفحم الحجري وزيت التدفئة بنسبة ١٠٤٪ و ٨٢٪ على التوالي، منذ عام وحتى منتصف ديسمبر ٢٠٢١.

ويبدو أن أثر هذه المشكلة أكثر حدة في البلدان التي تستورد معظم احتياجاتها من الوقود. فأوروبا وآسيا تتسابقان للحصول على الغاز الطبيعي المسال (LNG)، لتأمين ما يكفي من حاجة أسواقهما من وقود التدفئة في فصل الشتاء. ولهذا نرى بأن أسعار الغاز في أوروبا قد تضاعفت نحو أربع مرات عن متوسط اسعارها لخمس سنوات وباتت تتداول مؤخراً عند مستوى قياسي بلغ ٣٢$ دولاراً لكل مليون بي تي يو (وحدة قياس حرارية)، وفقاً لمعلومات S&P Global Platts Analytics. كما سجّل السعر القياسي الآسيوي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند ٣٥$ دولاراً خلال شهر ديسمبر ٢٠٢١.

هناك ستة عوامل مسؤولة بشكل أساسي عن هذا الضغط على موارد الطاقة حاليا، و كل واحد من هذه العوامل يزيد من تأثير الآخر. وهي تشمل انخفاض المخزونات، وانخفاض القدرة الإنتاجية، وأحجام الانبعاثات الكربونية التي تفرضها بعض الدول على نفسها، وتعافي الطلب على موارد الطاقة بشكل أسرع، بالإضافة لأحوال الطقس غير الاعتيادية، والتطورات الجيوسياسية.

١- انخفاض المخزونات

عندما تكون الأسعار في العادة أعلى، ويتم سحب المزيد من الغاز من المخزون لتلبية الطلب، فإن هذا ينعكس سلبا على حجم المخزونات. وعادة ما يبدأ موسم الشتوي في الأول من أكتوبر/تشرين أول ويستمر حتى نهاية مارس/آذار.

ولقد أدت درجات الحرارة الأكثر برودة من المعتاد في الولايات المتحدة في أواخر يناير/كانون ثان ٢٠٢١ وحتى منتصف فبراير إلى ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي.

وقد بلغ صافي السحوبات من مرافق تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض نحو ٣٣٨ مليار قدم مكعب في الأسبوع المنتهي في ١٩ فبراير/شباط ٢٠٢١، بزيادة ٢١٨ مليار قدم مكعب عن متوسط ​​خمس سنوات لصافي السحب الاسبوعي.

ونتيجة لذلك، انخفض مخزون الغاز إلى ما دون متوسط ​​الخمس سنوات بمقدار ١٦١ مليار قدم مكعب.

أما في أوروبا وبريطانيا مجتمعين، فإن مواقع التخزين ممتلئة بنحو ٧٢٪ حالياً، مقارنة بما كانت نسبته ٩٤٪ في نفس الوقت من العام الماضي، فيما كان متوسط ​​العشر سنوات، بحسب أحدث بيانات تقرير البنية التحتية للغاز في أوروبا، عند ٨٥٪.

٢- انخفاض القدرة الإنتاجية

تسببت جائحة كوڤيد١٩ في انخفاض الطلب على الوقود خلال فترة قصيرة. وكان أثر الانخفاض شديداً لدرجة  أنه في ٢٠أبريل/نيسان ٢٠٢٠ هبط عقد خام غرب تكساس الوسيط الآجل لشهر مايو/أيار ٢٠٢٠ بنسبة ٣٠٦٪،  أي نحو ٥٥،٩$ دولاراً للبرميل ليستقر عند ٣٧،٦٣$ دولاراً للبرميل في بورصة نيويورك. ودفع هذا الانخفاض غير المسبوق في الأسعار دول مجموعة أوبك+ إلى خفض إجمالي إنتاجها النفطي بنحو ٩،٧ مليون برميل يومياً، وهو أكبر خفض لإنتاج النفط تم التفاوض عليه على الإطلاق، والهدف كان تحقيق استقرار في أسعار النفط.

وأدى انخفاض الطلب والتوقعات غير المؤكدة بشأن التعافي الاقتصادي العالمي إلى قيام العديد من شركات النفط والغاز بخفض إنفاقها الرأسمالي، حيث خفّض عملاق النفط الأمريكي شركة إكسون موبيل خطط إنفاقها لعام ٢٠٢٠ بواقع ١٠$ مليارات لعملياتها حول العالم. كما وخفّضت شركة إيني الإيطالية للنفط والغاز حجم استثماراتها لعام ٢٠٢٠ بنحو ٢ مليار يورو؛ وخفضت شركة النفط البرازيلية التي تديرها الدولة استثماراتها المخطط لها بمقدار ٣،٥$ مليار. وقيّدت هذه التخفيضات الهائلة قدرة المنتجين على رفع حجم انتاجهم من الطاقة في غضون مهلة قصيرة.

٣- انبعاثات الكربون

شكّلت اتفاقية باريس، التي أصبحت ملزمة قانوناً في العام ٢٠٢٠، المرة الأولى التي توافق فيها جميع الدول الـ١٩٥ —التي وقّعت عليها— على تحمل مسؤولية تغير المناخ والعمل معاً لإيجاد حلول له. و شجعت الاتفاقية الدول والشركات على تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام ٢٠٥٠ أو حتى قبل ذلك. ومما شجّع المجتمع الدولي هو شهية المستثمرين لصب أموال طائلة في استثمارات تركز على الاستدامة، حيث ناهز حجم الاموال التي تخضع لإدارة الأصول في الصناديق المستدامة نحو ٢$ تريليون.

وأدى هذا التغيير في التوجه نحو مصادر الطاقة إلى انخفاض رأس المال المتاح والشهية السياسية للمشاريع التي تعتمد على موارد الهيدروكربون، مما أدى لمزيد من تراجع القدرة الإنتاجية بشدة.

توربينات الهواء في بريطانيا – رويترز

٥- أحوال الطقس غير العادية

أصبح الطلب والعرض على الوقود الأحفوري أكثر تأثراً بسبب أنماط الطقس غير العادية التي يشهدها العالم. فقد تسبب إعصار آيدا ، الذي ضرب ساحل الخليج الأميركي في أغسطس/آب ٢٠٢١، بإخلاء ٥١٪ من إجمالي عدد المنصات البحرية في مياه الخليج الأمريكي، مما أدى إلى قطع قرابة ٩٥٪ من انتاج النفط الخام في تلك المنطقة و ٩٣٪ من إنتاج الغاز الطبيعي.

أما في بريطانيا، فقد قفزت أسعار الكهرباء إلى مستوى قياسي في سبتمبر/أيلول إلى ٤٠٠ جنيه لكل ميغاواط / ساعة كنتيجة مباشرة لانخفاض الرياح، وهو ما أثر سلباً على الطاقة الإنتاجية لتوربينات الرياح المسؤولة عن ١١٪ من إجمالي إنتاج الطاقة في المملكة المتحدة.

٦- التطورات الجيوسياسية

في وقت تواجه فيه أوروبا أزمة طاقة، أدى التراجع الأخير في إمدادات الغاز من روسيا إلى تسابق العديد من المحللين إلى القول بأن موسكو تتعمد خفض الإمدادات من أجل دعم تأثيرها وضغطها على القرار الأوروبي المتعلق بالموافقة على خط أنابيب نورد ستريم ٢، والذي عند الانتهاء من العمل عليه، إذا حدث ذلك، سيتم شحن ٥٥ مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا وهو ما يعادل ١٥٪ من واردات الاتحاد الأوروبي السنوية من الغاز. ويحمل خط أنابيب نورد ستريم ٢ أهمية كبيرة بالنسبة لموسكو في ”حربها الباردة“ مع واشنطن، حيث تتخطى عبره كل من أوكرانيا وبولندا، وهما حليفتان لاميركا، كونه يوفر لروسيا إمكانية الوصول المباشر إلى أوروبا، مما سيزيد من نفوذها في القارة العجوز ويقلل في نفس الوقت من نفوذ اميركا على روسيا.

وبهدف منع استكمال عمليات نورد ستريم ٢، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركات المشاركة في بنائه.

كما ولا تخدم المواجهة الحالية بين روسيا وأوكرانيا في تخفيف مخاوف اميركا بشأن امكانية تزايد نفوذ روسيا في أوروبا في حالة تشغيل نورد ستريم ٢.

في المقابل، دفعت التوترات الأخيرة بين الجزائر والمغرب، بالجزائر إلى وقف إمداد الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب المغاربي، الذي يمتد عبر المغرب إلى شبه الجزيرة الأيبيرية ويزود كل من إسبانيا والبرتغال بثلثي وارداتهما السنوية من الغاز.

ولقد أدّت هذه التطورات الجيوسياسية إلى مزيد من حالة عدم اليقين بشأن العرض في قطاع الطاقة، وقد نتج عن دلك ارتفاع جديد في الأسعار.

فهل ستؤدي العوامل المذكورة أعلاه إلى إخراج السباق العالمي عن مسار التخلص من انبعاثات الكربون، أو، على العكس من ذلك، تسرّع من عملية تحول الطاقة إلى مصادر الطاقة المتجددة؟ هذا سؤال بمليارات الدولارات.

——-

 * عمرو زكريا عبدو هو محلل الأسواق العالمية و خبير مالي بخبرة تمتد لأكثر من عقدين من الزمن أسوق المال أدار خلالها عدة شركات تداول وهو مستشار مالي لشركات استثمارية متعددة . وهو الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة Madarik Finance التي تركز على تمويل المشاريع للشركات الناشئة.

وهو عضو في المجالس الاستشارية لعدة جامعات حيث يلقي فيها محاضرات أيضا، بالاضافة لكونه معلّق في وسائل الاعلام الاقليمية والعالمية حول الامور المتعلقة بالأسواق العالمية، والتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا Blockchain، والطاقة. وهو عضو في الرابطة الأمريكية لاقتصاديات الطاقة.