تشهد المملكة العربية السعودية اليوم قفزةً ضخمة في عمليات الاكتتاب العام الأولي من خلال زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، وتحسين بيئة الأعمال من جهة أخرى، وهو ما يعكس الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز اقتصادها بما يتماشى مع رؤية 2030، يقول عماد مطر، شريك في بي دبليو سي الشرق الأوسط ومسؤول خدمات المعاملات.
ويرجع هذا الطلب غير المسبوق على عمليات الاكتتاب العام الأولي في المملكة إلى ثقة المستثمرين بالنمو الاقتصادي على الأمد الطويل، وخطط التحول، فضلًا عن رغبة المساهمين بتحقيق المكاسب عبر إدراج الأسهم في السوق وطرحها للتداول.
أداء قوي في عام 2021
خلال عام 2021، أقدمت 20 شركة سعودية على طرح أسهمها في البورصة (9 في “تداول” السعودية و11 في السوق الموازية “نمو”). ومن المتوقّع أن تزداد هذه الأرقام إلى حوالى 50 عملية طرح خلال العام الجاري وخلال عام 2023.
والجدير بالذكر أن المملكة كانت من بين الأسواق الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي أظهرت ملامح تعافٍ كبير بعد جائحة فيروس كورونا. وساهم ذلك في تعزيز ثقة المستثمرين على المدى الطويل بالأطراف الرئيسية التنفيذية في مختلف القطاعات، لا سيما القطاعات الرائدة خلال الجائحة.
طرح الأصول المملوكة للحكومة
وتماشيًا مع رؤية 2030، نحن نشهد اليوم تحولًا هائلًا في المملكة. وسوف يؤدي ذلك إلى تسارع وتيرة طرح الأصول المملوكة للحكومة في قطاع البنية التحتية في إطار مبادرات التخصيص التي تشهدها المملكة، وتعزيز النشاط في قطاعات التقنية، والرعاية الصحية، والصناعات الغذائية، والتعليم، والتي لا تحظى حاليًا بتمثيل كافٍ، لكنها حققت ازدهارًا كبيرًا خلال جائحة فيروس كورونا. كما دفع التحول الرقمي لنماذج الأعمال وبناء القدرات التقنية إلى بقاء الصفقات المتعلّقة بالتقنيات في الصدارة.
ما يبحث عنه المستثمرون
وبالحديث نظريًا، إن الشركات يمكن أن تكون جاهزة للقيام بعمليات اكتتاب عام أولي إن كانت تسجّل أداءً ماليًا قويًا وقيمة داخلية كبيرة، وتملك مقوّمات محفّزة لشراء أسهمها واستراتيجية محدّدة بشكل واضح، وحوكمة مؤسسية رائدة، وحسًا مناسبًا لإدارة الجودة وثقافات ونظمًا متينة للموارد البشرية، وتستطيع إعداد تقارير حول الإجراءات المالية بفعالية وكفاءة في ظل الامتثال للأنظمة الضريبية. كما يجب أن يبدي المستثمرون (المحليون والدوليون) اهتمامًا بمثل هذه الخطوة لضمان نجاحها.
السيولة لا تمثل مشكلة
وقد أعرب بعض المستثمرين عن قلقهم تجاه إمكانية تأثير عمليات الاكتتاب العام الأولي الجديدة في السيولة في الأسواق. لكن، نظرًا إلى أننا استشاريون متخصصون في دراسات العناية المالية الواجبة، وبفضل الخبرة التي اكتسبناها نتيجة مشاركتنا في عمليات الاكتتاب العام الأولي وطرح الأسهم الأخيرة (شاركنا في 10 عمليات طرح ناجحة خلال الأشهر الـ12 الماضية)، فإن الطلب وفائض الاكتتاب في هذه الأسهم لن يؤدي إلى أيّ تحديات على مستوى السيولة، لا سيما في ما يخص الشركات ذات الأداء الجيد والإمكانات الكبيرة.
وإذا ما نظرنا إلى مختلف القطاعات، نجد أن شركةً للمواد الغذائية على سبيل المثال، نجحت في طرح أسهمها للاكتتاب على المستثمرين الأفراد، وشهدت فائضًا في الاكتتاب بواقع 11.9 مرة. كما أعدّت شركة سعودية لتطوير المرافق سجل جمع الطلبات المؤسسية للاكتتاب بأسهمها، حيث تلقت عروضًا تجاوزت حجم الأسهم التي كانت تعتزم إصدارها بواقع 248 مرة.
وعليه، فإن أيّ أصل من الأصول “المميزة” التي سيتمّ طرحها في السوق (سواء كانت أصولًا حكومية أو مملوكة للقطاع الخاص)، ستجذب القدر الكافي من الطلب طالما أن المستثمرين مطلعون على دوافع شراء هذه الأصول.
ونحن في شركة بي دبليو سي الشرق الأوسط نفتخر بتقديم الاستشارات لعملائنا السعوديين حول طموحاتهم في مجال عمليات الاكتتاب العام الأولي، والالتزام باستراتيجية التنوّع الاقتصادي ورؤية 2030 الأوسع نطاقًا. فإن الارتفاع في عمليات الاكتتاب العام الأولي في المملكة لا تعكس فقط الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز اقتصادها في إطار رؤية 2030، بل تسلّط الضوء على نجاح المملكة في التعافي من الآثار التي خلّفتها الجائحة، خصوصًا في ظل ازدياد اهتمام ومشاركة المستثمرين الأجانب.