يواجه قطاع العقارات في الصين مشكلة ديون خطيرة. فالمطوّرون الكبار راكموا أحجاماً هائلة من الديون، مما أدى إلى توقف أعمال البناء وعدم سداد الكثيرين من مشتري المنازل لمستحقاتهم.
هذه الأزمة قد لا تبقى في حدود الصين، إنما تهدد الاقتصاد العالمي. فحجم الاقتصاد الصيني، وهو الثاني في العالم، يعني أن الاضطراب في سوق مهم كالعقارات، يمكن أن يؤثر على النظام المالي العالمي.
تمثل العقارات حوالي 70 في المئة من الثروة الشخصية في الصين. فغالباً ما يدفع مشترو المنازل مقدماً مقابل المشاريع غير المكتملة، بحيث تشكل “المبيعات المسبقة” 70 في المئة إلى 80 في المئة من حجم مبيعات المنازل الجديدة. وهي أموال يحتاج اليها المطورون لاستخدامها لتمويل العديد من المشاريع في وقت واحد.
وفقًا لمجموعة ANZ المصرفية، يمكن ربط أكثر من 220 مليار دولار من القروض بمشاريع غير مكتملة. اضافة إلى ان الائتمان قد جف، وهو مصدر رئيسي للنقد في سنوات الازدهار.
في العام 2020، أدخلت الحكومة الصينية “خطوطاً حمراء”. وهي تدابير محاسبية للحد من المبلغ الذي يمكن للمطورين اقتراضه. أدى ذلك إلى قطع التمويل، وما تلاه من انعدام الثقة في السوق، مما أثر أيضاً على استعداد المصارف لإقراض الشركات العقارية.
وفي العام 2021، تخلفت “إيفرغرين” عن سداد ديونها البالغة 300 مليار دولار، وكانت أكثر الضحايا شهرة من بين حوالي 30 شركة عقارية فشلت في توفير مدفوعات ديونها الخارجية. ومنذ ذلك الحين، بدأ المستثمرون يشعرون بالقلق من أن تتمدد مشاكل المطورين المالية إلى بقية الاقتصاد.
وقد أدت مقاطعة عشرات الآلاف من مشتري المساكن في الشهرين الماضيين سداد أقساط الرهن العقاري على منازلهم غير المكتملة خوفاً من سرقة أموالهم، إلى إعادة مشاكل المطورين إلى الواجهة مرة أخرى، بينما يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين (في الربع الأخير نما بنسبة 0.4 في المئة فقط مقارنة بالعام السابق).
ويبدو أن إضراب الرهن العقاري آخذ في الازدياد وفي الانتشار بين المدن الصينية، حيث تباع تسعة من كل 10 عقارات جديدة قبل الانتهاء منها.
المصارف
المقاطعة لسداد قروض تهدد بتعميق الركود العقاري في الصين. فالدفعات النقدية المقدمة هي شريان الحياة للمطورين والمصارف معاً في الصين.
وبحسب تقديرات وكالة “ستاندرد آند بورز”، تواجه المصارف خطر تكبد خسائر تفوق 350 مليار دولار جراء الرهون العقارية. وأوضحت “ستاندرد” أن 2.4 تريليوني يوان (356 مليار دولار)، أو 6.4 في المئة من الرهون العقارية مهددة. بينما حذر مصرف “دويتشه بنك” من أن ما لا يقل عن 7 في المئة من قروض شراء المنازل عرضة للخطر.
الواضح أن المصارف الصينية المكشوفة بقوة على قطاع العقارات “عالقة” في الوسط. فبحسب البيان الصادرة عن مصرف الشعب الصيني، كانت هناك 39 تريليون يوان من الرهون العقارية القائمة و13 تريليون يوان أخرى من القروض المقدمة إلى شركات التطوير العقاري في نهاية مارس/آذار الماضي.
هذا الأمر لا يترك خيارات أمام المصارف سوى مساعدة المطورين على تخطي الأزمة واستكمال مشاريعهم، وإلا فسوف تتكبد خسائر أكبر. وهي أصلاً تواجه احتجاجات من مودعيها الذين يطالبونها باستعادة أموالهم خوفاً من تبخرها.
“فيتش”
“يمكن أن تمتد مشاكل العقارات في الصين إلى قطاعات رئيسية أخرى إذا استمرت المشاكل – وثلاث شركات معينة هي الأكثر عرضة للخطر، وفقًا لوكالة التصنيف الائتمانية “فيتش“.
وينبه محللو “فيتشو” في تقرير من أنه “إذا لم يتحقق التدخل السياسي الفعال في الوقت المناسب، فإن الضائقة في سوق العقارات ستمتد وستكون لها آثار على مختلف القطاعات في الصين خارج سلسلة القيمة المباشرة لقطاع العقارات”.
وحلّلت “فيتش” تأثير الأزمة خلال الأشهر الـ12 إلى الـ24 المقبلة، على أكثر من 30 نوعاً من الشركات والهيئات الحكومية، فوجدت ثلاث شركات الأكثر عرضة لمشكلة العقارات:
- شركات إدارة الأصول: وهي شركات تمتلك، بحسب التقرير، قدراً كبيراً من الأصول المدعومة بضمانات مرتبطة بالعقارات، مما يجعلها معرضة بشدة لضائقة سوق العقارات لفترات طويلة.
- الهندسة وشركات البناء (غير المملوكة للدولة): هذا القطاع واجه سعوبات منذ العام 2021، ولا يمتع بمزايا تنافسية في التعرض لمشاريع البنية التحتية أو الوصول إلى التمويل مقارنة بشركات أخرى مرتبطة بالحكومة.
- صغار منتجي الصلب: العديد من هؤلاء كانوا يعملون بخسارة لبضعة أشهر، وقد يواجهون مشكلات سيولة إذا ظل الاقتصاد الصيني ضعيفاً، “لا سيما بالنظر إلى النفوذ الكبير في هذا القطاع” وفق “فيتش”.
وقالت “فيتش” إن البناء يمثل 55 في المئة من الطلب على الصلب في الصين.
لقد أدى التباطؤ في قطاع العقارات بالفعل إلى خفض المؤشرات الاقتصادية الأوسع نطاقاً مثل الاستثمار في الأصول الثابتة ومكون مبيعات الأثاث لمبيعات التجزئة.
وأشارت “فيتش” إلى أن البيانات الرسمية تظهر انخفاض مبيعات المساكن بنسبة 32 في المئة في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالعام الماضي. واستند تقريرها إلى أبحاث وضعت في هذا المجال أشارت إلى أن أكبر 100 مطور شهد أداءً أسوأ على الأرجح – مع انخفاض المبيعات بنسبة 50 في المئة.
التأثير على القطاعات الأخرى
حذر المحللون من أن “تدهور ثقة مشتري المنازل قد يوقف زخم انتعاش المبيعات الذي شهدناه في مايو/أيار ويونيو/حزيران”.
وقال التقرير: “تعتقد فيتش أن الارتفاع الأخير في عدد مشتري المساكن الذين يعلّقون مدفوعات الرهن العقاري على المشاريع المتوقفة يؤكد احتمالية تفاقم أزمة العقارات في الصين، حيث يمكن أن يؤدي تضاؤل الثقة إلى توقف تعافي القطاع، والذي سينتشر في نهاية المطاف عبر الاقتصاد المحلي”.
أسعار المساكن في بؤرة الاهتمام
تعرض مطورو العقارات الصينيون لضغوط متزايدة منذ حوالي عامين، عندما بدأت بكين في اتخاذ إجراءات صارمة ضد اعتماد الشركات الكبير على الديون لتحقيق النمو.
بحسب “سي أن بي سي”، فإن الأرقام عن معدلات الشغور ترسم صورة عن حجم المشاكل العقارية. فقد بلغ معدل شغور العقارات السكنية في الصين 12 في المئة في المتوسط في 28 مدينة رئيسية، وفقًا لتقرير صدر الأسبوع الماضي عن معهد Beike Research Institute ، وهو فرع من عملاق مبيعات وتأجير العقارات الصينية Ke Holdings
هذا هو الثاني على مستوى العالم بعد اليابان، وأعلى من معدل الشغور في الولايات المتحدة البالغ 11.1 في المئة، حسبما ذكر التقرير.
وشرح التقرير إنه إذا كانت هناك توقعات قوية بانخفاض أسعار المنازل، فقد تؤدي هذه الشقق الفارغة إلى تفاقم فائض المعروض في السوق – وخطر انخفاض الأسعار بشكل أكبر.
ماذا بعد؟
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” مؤخرًا أن الصين أصدرت قروضاً بقيمة 148 مليار دولار لمساعدة مطوري العقارات.
ولكن في مذكرة حديثة، قالت “أكسفورد إيكونوميكس” إن أي تدخل حكومي في العقارات والبنية التحتية قد يوفر دفعة قصيرة الأجل ولكنها “ليست مثالية لنمو الصين على المدى الطويل حيث تضطر الحكومة والقطاع المالي للمساعدة في الحفاظ على صناعة عقارات غير منتجة (وفاشلة) “.
“هذه ليست مجرد أزمة مالية” قال دينغ شوانغ، رئيس الأبحاث الاقتصادية في الصين الكبرى في “ستاندرد تشارترد”. “إن مقاطعة الرهون العقارية تخاطر بأن تصبح قضية اجتماعية خطيرة.”
وقد يصبح ذلك مشكلة للرئيس شي جين بينغ قبل مؤتمر حزبي مهم في وقت لاحق من هذا العام حيث من المتوقع أن يسعى إلى فترة ولاية ثالثة تاريخية.