لم يمر وقتٌ طويل على احتفالات رأس السنة الجديدة، حتى تبددت الآمال والتوقعات بشأن الانتعاش الاقتصادي بعد كوفيد -19 جرّاء اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط. منذ ذلك الحين، يشهد العام 2022 أحداثًا وتطوراتٍ مروّعة ترسم صورة أكثر قتامة للاقتصاد.
وكما تبيّن، بالرغم من أن لم نجتَز مرحلة الوباء بعد، لكن هذا أقل مخاوفنا في الوقت الحالي. خرج التضخم العالمي عن السيطرة وحلّقت معه أسعار السلع الأساسية نتيجة ارتفاعات حادّة في أسعار النفط، ممّا دفع بالاقتصادات العالمية بالخروج عن مساراتها الطبيعية، بحيث أضحت على شفا ركود محتوم لا مفرّ منه.
وهرعت المصارف المركزية حول العالم إلى اتباع استراتيجيتها المعروفة: رفع أسعار الفائدة. يُفترض لهذه الإجراءات أن تسهم في معالجة التضخم والحدّ من استفحاله، على الرغم من آثارها السلبية المعهودة على نمو الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف ومؤشرات أخرى.
إلا أنّ هذه السياسات المضادة للتضخم أثبتت فشلها الذريع، وهي إلى ذلك، غالباً ما تأتي بثمن باهظ. وتشمل بعض تداعياتها السلبية انخفاض السيولة وتدهور حادّ على صعيد القدرة الشرائية للمستهلك، مما يؤدي بدوره إلى هبوط الطلب.
وبموازاة ذلك، لا ينبغي التقليل من أهمية قضية التغير المناخي، الذي يلعب دوراً في استفحال أزمة التضخم، مما يتّسبب في زيادات واسعة النطاق ومستمرة في الأسعار، ترخي بثقلها على مختلف المجالات الاقتصادية. في هذا الإطار، تشير دراسة أجرتها جامعة “أكسفورد” إلى أن تغير المناخ قد يكبّد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة قد تصل إلى 23 تريليون دولار بحلول العام 2050.
في حين أنه من الصحيح أن دول الخليج لم تكن محصّنة ضد آثار أزمة التضخم العالمية، فقد ساعد عاملان رئيسيّان دول ومواطني مجلس التعاون الخليجي على تحمّل أعباء الارتفاعات الحادّة في الأسعار. وتمثّل العامل الأول في ارتفاع عائدات النفط الخام جرّاء اندلاع الحرب الأوكرانية وزيادة الطلب العالمي في أعقاب جائحة “كورونا”. من جهة أخرى، شكّلت السياسات الحكومية المواتية درعاً متيناً للمؤسسات والمستهلكين على حدّ سواء.
وفي حين أثبتت المنطقة قدرتها، رغم كلّ الصعاب، على تحويل الأزمات إلى فرص وخلق بيئة تجارية مزدهرة، فإن ما رسّخ ذلك في أذهان المستثمرين هو المسار الثابت نحو التحول الرقمي والموارد التكنولوجية والبنية التحتية الداعمة.
لقد أضحت الاتصالات والحلول السحابية ومصنّعي الأجهزة ومورّدي المعالجات الدقيقة وخدمات الدفع غير النقدية تمسّ مختلف الجوانب الحياتية. ولكن الأهم من كلّ ذلك، برزت شركات التقنية ضمن الجنود المجهولين القادرين على دفع اقتصاداتِنا إلى الأمام ، بالرغم من التحديات الاقتصادية والمالية العالمية التي أرخت بثقلها الأكبر على هذا النوع من الشركات.
إلى ذلك، يعاني مؤشر ناسداك 100 لأسهم شركات التقنية الأميركيّة تراجعًا غير مسبوق في أعقاب محاولات إضافية أخيرة لرفع أسعار الفائدة من قبل المصرف الاحتياطي الفيدرالي. ويُتوقّع أن يستمرّ العمل بإجراءات مماثلة مستقبلاً. وكان أغلق المؤشر في 23 سبتمبر/أيلول، مسجّلاً حتى اللحظة تدنّياً بنسبة 31.45 في المئة على أساس سنوي.
مع ذلك، تبقى التكنولوجيا العامل الأكثر ثباتاً في عالم يشهد تغيّرات مستمرّة، لا سيّما مع تبلور صورة الاقتصاد القائم على تقنية الميتافيرس، بالإضافة إلى أن اللامركزية على صعيد الإنترنت تحدث في مجال تقنية الجيل الثالث للويب أو ما يُعرف بالـ Web 3.0، حيث تنتعش أسواق الرموز غير القابلة للاستبدال في أوساط جيل العملات المشفرة. ولعلّ ذلك هو السبب، الذي يجعل، في مكان، ما يزيد عن نصف مضمون مجلّة “إيكونومي ميدل إيست” مخصصاً لتغطية أخبار ومشاريع شركات التقنية حول العالم.
في هذا الإطار، ندعوكم للاطلاع على المقال الافتتاحي الذي يستعرض أفضل 25 شركة تقنية تزخر بها المنطقة، ويوفّر نظرة على أحدث المنتجات والخدمات والحلول والمشاريع التي تؤثر على الأعمال التجارية وَمجالات التمويل والمشهد الاقتصادي برمّته.
أخيرًا، مع اقتراب العام الجديد، نسعى إلى رصد أبرز التطورات التكنولوجية المميزة والشركات التي تقف وراءها في العام 2023، في مجالات عدّة تشمل الذكاء الاصطناعي والسيّارات بدون سائق والطائرات بدون طيار والـ”بلوكتشين” وتكنولوجيا الغذاء والسفر الافتراضي وغيرها المزيد. فلنستعدّ لعالمٍ جديد وجريء سيكون بانتظارنا.