Share

التكنولوجيا المالية والصيرفة الرقمية: دول مجلس التعاون الخليجي تحجز موقعها

أصبحت الخدمات المصرفية الرقمية طريقة حياة للمستهلكين
التكنولوجيا المالية والصيرفة الرقمية: دول مجلس التعاون الخليجي تحجز موقعها
للتكنولوجيا المالية

في السنوات الأخيرة، نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في تموضعها على الخارطة كمركز صاعد للتكنولوجيا المالية أو ما يعرف بالـFintech. فظهرت مراكز جديدة  للتكنولوجيا المالية في جميع أنحاء المنطقة، تموّل الشركات الصغيرة، وتطرح عدداً متزايداً منها للجمهور.

يأتي ذلك في وقت تتسارع سوق الخدمات المصرفية الرقمية في جميع أنحاء العالم. إذ أحدثت التكنولوجيا الرقمية تحوّلات جذرية وجوهرية في المجتمعات والإقتصادات حول العالم خلال عقدين من الزمن.

برز التحوّل الرقمي مع تفشي جائحة فيروس كورونا مطلع العام 2020، كطوق نجاة. وأصبح الدور الحيوي، الذي تلعبه التقنيات الرقمية في حياتنا اليومية، أكثر أهمية من أي وقت مضى، وباتت القدرات والمهارات الرقمية ضرورية لضمان مرونة واستمرارية النمو الإقتصادي.

بحسب بيانات اتحاد المصارف العربية، يمثل الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية نحو 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي فقط. وهو متفاوت بين منطقة وأخرى، حيث تقود دول مجلس التعاون الخليجي في العديد من مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وبمستويات متقدمة يُمكن مقارنتها بمستويات الدول المتقدمة. كما تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية بنسبة 43 في المئة من الشركات التي تستخدم التكنولوجيا المالية.

ويرى اتحاد المصارف العربية أن الدول العربية تتمتع بمجموعة من الخصائص الفريدة التي تتيح لها فرصة أن تكون قدوة ومثال في كيفية إستخدام التحوّل الرقمي لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً، حيث يمثل الشباب نحو 60 في المئة من إجمالي السكان.

أقرأ: “مركز دبي المالي العالمي”: قيادة مسيرة التنمية والاستثمار في المنطقة في مجال الابتكار والتقنية المالية

تحول كبير

 

لقد مرّت الصناعة المصرفية التقليدية بتحول واسع النطاق، مدعومةٍ بظهور التقنيات الرقمية. إذ راحت المصارف التقليدية تعمل على مواكبة التطور مع “الاقتحام” المصرفي الرقمي للسوق، حيث ارتفعت نسبة العملاء الذين باتوا يرجحون الحصول على حاجاتهم المصرفية من دون فروع مصرفية عبر الإنترنت.

وفي جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، أصبحت الخدمات المصرفية الرقمية طريقة حياة للمستهلكين.

في السابق، كان يُنظر إلى التكنولوجيا المالية على أنها منافسة للنظام المالي الراسخ، لكن جائحة كورونا غيّرت بيئة الأعمال وشجعت الجمع بين المصارف وشركات التكنولوجيا المالية لتسريع المدفوعات الرقمية.

ومع زيادة الوصول إلى الإنترنت وتغلغل الهواتف الذكية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، عملت المصارف التقليدية على بناء بنيتها التحتية الرقمية وتقديم بعض خدماتها عبر الإنترنت، في البداية على مواقعها الإلكترونية، ثم من خلال التطبيقات. لم يدم هذا الأمر طويلاً حيث أتى وصول الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية بالابتكار التكنولوجي، مما مهد الطريق لخدمات جديدة تلبي حاجات العملاء.

في الإمارات العربية المتحدة مثلاً، هناك مصارف رقمية عدة منها: مصرف “المارية” الذي يصنف نفسه على أنه “أول مصرف رقمي متخصص في الإمارات العربية المتحدة”، ومصرف “زاند” ويصنف نفسه على أنه أول مصرف رقمي مرخّص بالكامل لتقديم الخدمات المصرفية للأفراد والشركات. كما أطلقت كل من شركة القابضة ADQ و”ألفا ظبي” ومجموعة “اتصالات” الإماراتية و”بنك أبوظبي الأول” منصة Wio برأسمال مستثمر يصل إلى مليارين و300 مليون درهم. وهي أول منصة مالية متكاملة في المنطقة تم بناؤها لتقديم حلول في ثلاثة قطاعات رئيسية هي التطبيقات المصرفية الرقمية والتمويل المدمج والحلول المصرفية كخدمة.

في السعودية، وافق مجلس الوزراء السعودي على ترخيص مصرفيين رقميين في المملكة برأسمال إجمالي قدره 1.06 مليار دولار، ليصبح عدد المصارف الرقمية ثلاثة.

في الكويت، أطلق مصرف الكويت الوطني أول مصرف رقمي تحت اسم Weyay .

مع الاشارة الى ان أول مصرف رقمي افتُتح في الشرق الأوسط كان في البحرين عام 2018.

Nighttime cityscape with glowing frames and vehicle light trails.

أنواع المصارف الرقمية

 

تنقسم المصارف الرقمية إلى أربعة أنواع مختلفة، أبرزها Challenger Banks وNeoBanks.

وتعرف Challenger Banks بشركات “فينتك” لديها تراخيص مصرفية خاصة بها مما يعني أنها تستطيع تقديم الخدمات المصرفية التقليدية بطريقة مرنة وتعد منافساً مباشراً للمصارف التقليدية.

أما النوع الثاني الشائع الـ”Neobanks”،  فيختلف عن  الـ”Challenger Banks”. فهو عبارة عن مصارف رقمية فقط وليست لديها أي فروع قائمة. فهي تتواصل مع العملاء عبر تطبيقات الأجهزة المحمولة والمنصات الرقمية التي تكون أكثر سهولة في الاستخدام كما أن خدماتها مجانية.

أما النوع الثالث الأقل شيوعا، فهو ما يعرف بـ”Beta banks”، وهي عادة ما تكون تابعة لمصارف تجارية قائمة وتقدم خدمات مالية من خلال ترخيص الشركة الأم. وتنشأ هذه المصارف كوسيلة لدخول أسواق جديدة وتقديم خدمات محدودة لكن لقاعدة أوسع من المستهلكين.

أما النوع الأخير، فتأتي المصارف الرقمية التي تعرف بـ”Nonbanks ” أو المصارف غير المصرفية. وهي مؤسسات مالية لا تعتبر مصارف كاملة النطاق لأنها لا تقدم خدمات الإقراض والإيداع في الوقت ذاته. ويمكن للمصارف غير المصرفية تقديم بطاقات الائتمان أو خدمات الإقراض شرط ألا تقبل الودائع أيضًا.

وقالت مجموعة “بوسطن” الاستشارية في تقرير إن الـ”Neobanks” ستمثل حجم سوق يزيد عن 2 تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2030، وإنها ستنمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 53.4 في المئة حيث يطلب المستخدمون بشكل متزايد خدمات مالية يسهل الوصول إليها.

ولفت التقرير إلى أن التغييرات التنظيمية، جنباً إلى جنب مع التبني الشامل للإنترنت والتكنولوجيا الذكية، ستدفع باتجاه نمو القطاع.

وتوقعت بهافيا كومار، العضو المنتدب والشريك في مجموعة “بوسطن” أن تبلغ قيمة قطاع التكنولوجيا المالية في دول مجلس التعاون الخليجي 3.45 مليارات دولار بحلول عام 2026 “كنتيجة مباشرة لازدهار معدلات النمو للمدفوعات الرقمية والتحويلات الرقمية”.

أكثر من نصف سكان دول مجلس التعاون الخليجي هم دون سن الثلاثين. كما تتمتع المنطقة بواحد من أعلى معدلات الاتصال في العالم، حيث يتصل أكثر من 90 في المئة من سكانها بالإنترنت، وهو ما يتجاوز بكثير المتوسط العالمي البالغ 51.4 في المئة ، وفقًا للتقرير.

ومن المتوقع أن يكون لدى حوالي ثلثي سكان دول مجلس التعاون الخليجي اتصالات الجيل الخامس بحلول عام 2026.

إن هذا المزيج، بحسب التقرير، يجعل المنطقة مهيأة للتكنولوجيا المالية والـ”Neobanks” لتسريع نموها.

تحديات ومخاطر

 

تواجه التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية صعوبات وتحديات، فرغم العمل المستمر لتطوير الأطر التنظيمية للخدمات المالية الرقمية ووضع قوانين لها، لا تزال توجد فجوات تنظيمية تُعوّق نمو قطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية بشكل عام.

ويقول صندوق النقد الدولي في ورقة بحثية له إن المصارف الرقمية تكتسب أهمية نظامية متزايدة في أسواقها المحلية. لكنه ينبه إلى ان مصارف الـ”نيوبانك” تكون أكثر انكشافاً من نظرائها التقليديين تجاه المخاطر الناشئة عن الإقراض الاستهلاكي، الذي عادة ما يتسم بسبل حماية أقل ضد الخسائر لأنه غالبا ما يكون بلا ضمان. ويمتد انكشافها ليشمل تحملها لمستوى أعلى من المخاطر في محفظة الأوراق المالية، بالإضافة إلى ما تتحمله من مخاطر سيولة أعلى (ولا سيما أن الأصول السائلة كنسبة من ودائع المصارف الرقمية غالبا ما تكون أقل من نسبتها لدى المصارف التقليدية).

ويرى الصندوق أن ثمة حاجة لسياسات تستهدف كلا من شركات التكنولوجيا المالية والمصارف التقليدية على نحو متناسب. بهذه الطريقة، تتعزز الفرص التي تتيحها التكنولوجيا المالية، مع احتواء المخاطر المصاحبة لها. وبالنسبة للمصارف الرقمية، يعني هذا تقوية متطلبات إدارة رأس المال والسيولة والمخاطر بالتناسب مع مخاطر التكنولوجيا المالية. وبالنسبة للمصارف القائمة وغيرها من الكيانات المستقرة، قد تكون هناك حاجة لزيادة تركيز الرقابة الاحترازية على سلامة المصارف الأقل تقدما من الناحية التكنولوجية، إذ إن نماذج أعمالها القائمة قد تكون أقل استدامة على المدى الطويل، بحسب الصندوق.

وإلى ذلك، تسود مشكلة الخطر الإلكتروني. فالهجمات الإلكترونية قد تؤدي إلى إضطرابات في التشغيل وتكبّد خسائر مالية ومخاطر نظامية، والتي قد تصبح من القيود المعوّقة ما لم يتم العمل على تقوية أطر الأمن المعلوماتي.

ورغم كل التحديات، لا يمكننا إلا أن نقول وبكل ثقة: إن مستقبل الخدمات المصرفية رقمي.