في أكتوبر/تشرين الأول 2017 رُسمت أشهَر قاعدة ابتكارية إدارية وحديثة، قدمها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عندما تناول أمام أكثر من 2,500 قيادي ومبتكر عالمي مشاركين منتدى الاستثمار العالمي بالرياض ومئات الملايين عبر أشهر وكالات الأنباء العالمية، هاتفين بيده، قارن بين الأول القديم ذي الإمكانيات المحدودة والثاني الأكثر حداثة والقابل للتطوير.
من جهتي، أرى أن الرسالة الاستشرافية المستقبلية التي كان يقصدها سموه، لم تكن مجرد المقارنة بين مدينة المستقبل “نيوم” والمدن الحالية. هي رسالة فحواها أن الجهازين القديم والجديد قد يفيان بالغرض لو كان الأمر مجرد جهازين للاتصالات بالاتصال واستقبال المكالمات والرسائل النصية. ولكن “الابتكار” هو الرسالة الأهم، من خلال قدرة شركة Apple أن تبدأ من حيث توقف الآخرون. وهذا هو الخط الاستراتيجي المهم والحيوي في رؤية السعودية 2030 وعرابها سمو ولي العهد. إن الابتكار لا يمكن أن يتحقق دون وجود “الشغف” (Passion). والشغف كتعريف مبسط هو المرتبط بالقائد الذي لديه الرغبة بصنع الفرق أينما حل. وذلك بعيداً من النظريات والمصطلحات المتعددة لهذا المصطلح.
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
يمثل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نموذج الرجل القيادي الذي يتمتع بأعلى درجات “الشغف”. فلو رجعنا قليلا فقط للأيام القليلة الماضية، نجده ومع الإعلان التاريخي للميزانية العامة لعام 2024، لم يُعطِ سموه فرصة للمحليين الاقتصاديين والمختصين للحديث عن المشاريع التنموية فيها وتوجهات الدولة المستقبلية. فأطلق بعد إعلان الميزانية، بمدة لا تتجاوز 24 ساعة المخطط الحضري لمدينة القدية والعلامة التجارية لها. وهي بدون مبالغة قياساً بحجم خططها المستقبلية والاستثمارية ليست مجرد مدينة، بل “عالم جديد داخل دولة”. فبخلاف أنها ستكون الأبرز عالمياً في مجالات الاقتصاد والترفيه والرياضة والثقافة، كمرتكز لرؤية 2030، ستخلق على سبيل المثال أكثر من 325 ألف فرصة عمل نوعية. وذلك كنوع من الاهتمام بالعنصر البشري النوعي، في ظل أزمة البطالة التي تعيشها ومنذ سنين أبرز الدول المتقدمة اقتصادياً.
مشاريع ناجحة
الشغف الذي اعتدنا عليه من سمو ولي العهد هو استمرارية لمشاريع تنموية ضخمة، بين حين وأخرى يعلن عنها وتتميز بتكاملها مع الرؤية، في خلق تجارب ناجحة بمجالات حيوية هامة كالسياحة والترفيه والثقافة والرياضة. ويتمثل ذلك بالإعلان التاريخي لفوز الرياض بتنظيم معرض إكسبو 2030 وبفارق أصوات تاريخية. وقبلها الإعلان عن تنظيم السعودية كأس العالم 2034. وقبلها الكثير والكثير. وما “نيوم” و”العلا” و”أبها” إلا أمثلة على الأرقام القياسية التنموية التي تتحدث عنها. مع الجانب الآخر المتمثل بالإنسان السعودي وتوفير الإمكانيات المستقبلية له، التي تجعلنا نتمنى العودة بأعمارنا لسنوات. وذلك لنتمكن من معايشة الحلم الذي وبشغف بين فترة وأخرى يغدقنا بإعلاناتها وتباشيرها سموه، مع معايشتنا لتطورات مهمة، بالعمل تم اختصار تنفيذها بفترات قياسية.
تطبيق واقعي
إلى ذلك، إن الشغف الذي نعايشه كتطبيق واقعي وليس مجرد نظريات إدارية وقيادية وبصورة مباشرة من خلال العمل والمتابعة التي نستمتع بتجربة شغفها مع ولي العهد. انعكست هذه التجربة على اختيارات سموه للقيادات في مجالات متنوعة وحيوية. فكانت هناك الكثير من النماذج التي مكنها ولي العهد ووجد لديهم الشغف الذي رسمه في رؤيته القيادية. وكانت هناك العديد من المنجزات والتي سنقطف ثمارها حاليا وبالمستقبل أيضاً.
سمو الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل
ولأن الحديث عن الشغف كمدرسة يقودها باقتدار وبراعة عراب الرؤية، فلا بدّ أن نتطرق لمن اختطوا منهج الأمير محمد بن سلمان وعملوا، بعد أن أعطاهم الثقة ومكنهم وبرعوا بتجسيد هذه الثقة الهامة، التي تجعل الحديث عن “الشغوفين” حديث مشوق، ويفتح الآفاق للحديث عن منجزات عظيمة، لولا “الشغف” من وجهة نظري لم تتحقق.
فلا يمكن أن لا يتبادر لذهننا كقاعدة عمل لسمو ولي العهد في اختيار القيادات، بتصريحه أنه بجانب التأكيد على الكفاءة والقدرة كأساس بالاختيار. إلا أن الأهم هو “الشغف” عند المسؤول، فكان النموذج الأجمل الذي ضرب به سموه مثالاً، هو وزير الرياضة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل. وإنما ذلك يعود لكون الرياضة ليست مجرد منصب وزاري يتقلده فحسب. وإنما قضية شخصية تمثل شغفه، لتكون الرياضة السعودية بارزة عالمياً. فكانت سباقات الفورمولا العالمية واستضافة كأس العالم وتبوّؤ الدوري السعودي لكرة القدم مراكز عالمية متقدمة، الطموح وهذا ليس ببعيد أن يكون من الأهم والأبرز بهذا المجال، الذي لا يمثل رياضة فقط وإنما اقتصاد وترفيه ونقل ثقافة المملكة للعالم بصورة تسابق جميع الوسائل.
معالي المستشار تركي آل الشيخ
إلى ذلك، معالي المستشار تركي آل الشيخ ونجاحاته في الرياضة والترفيه ترتكز على موهبة الشغف التي يمتلكها ومكنها سمو ولي العهد بكافة الإمكانيات. فاستطاع أن يحدث نقلة في المفهوم الرياضي وخصوصا كرة القدم. وكانت اللبنة الأساسية التي نشاهدها حالياً. وعندما انتقل كرئيس لهيئة الترفيه، وجدنا تحولاً كبيراً بهذا الملف الحيوي الهام والذي يُعد من المرتكزات الهامة برؤية السعودية، ليكون طموح هذا القطاع أن يكون أحد أفضل 10 قطاعات ترفيهية بالعالم. وما الطفرة التي نعيشها في وقتنا الحاضر واعتبار المملكة وجهة ترفيهية عالمية إلا عنوان كيف يستطيع الشغف أن يحول الاحلام والمستحيل الى واقع ملموس.
معالي المهندس عبدالله السواحه
أيضاً، معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحه، من المميزين بمدرسة الشغف بكل ما تعنيه الكلمة. شخصياً، عاصرت وزارة الاتصالات عندما كان دورها تنظيمي فقط. ومع السواحه، تطورت الوزارة الى مفهوم مختلف ومستقبلي بكل ما تعنيه الكلمات. تحول كل من الوزارة والوزير من مجرد مهام محدودة الى آفاق أعلى. وسنح ذلك للأهداف العملية برفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي بقيمة 50 مليار ريال وجذب الاستثمارات الأجنبية. والأمثلة الكبرى شاهدة نعيشها بالوقت الحاضر والأهم تمكين المرأة ورفع نسبة التوطين ودعم رواد الاعمال وخلق الفرص الإبداعية. كما وجعل المملكة وجهة عالمية بالتقاء كبار اللاعبين بهذا المجال. وذلك من خلال إتاحة الفرص والامكانيات لهم. وما نجاح معرض “ليب” إلا نموذج لخلق الفرص ومنافسة أهم الملتقيات العالمية وباقتدار. ولا ننسى الجانب الآخر في شخصية الوزير بدوره التثقيفي والتشجيعي وبأسلوب أكاديمي لخلق جيل شغوف ينظم لمدرسة ولي العهد.
معالي المهندس صالح الجاسر
بإطلاق سمو ولي العهد للمخطط العام للمراكز اللوجستية بالمملكة وارتباط هذا القطاع الحيوي الهام بوزارة النقل تحت وزارة واحدة، نجد أن موهبة الشغف التي وجدها الأمير محمد بن سلمان بمعالي وزير النقل والخدمات اللوجستية المهندس صالح الجاسر، ساهمت وبشكل كبير في تجسيد مستهدفات الرؤية لترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي. كما أسهمت في قفز المملكة وبإنجاز تاريخي 17 مرتبة عالمياً في المؤشر اللوجستي الصادر عن البنك الدولي أبريل/نيسان الماضي. فالوزير الجاسر من الشغوفين ومسيرته العملية ترسخ الشغف القيادي الذي يتميز به. فنجده يعلن باستمرار عن خطط ونتائج محققة بالقطاع الحيوي الهام وهو قطاع النقل والخدمات اللوجستية. مما يجعل هذه النتائج تنعكس على كافة القطاعات الحيوية لأهمية هذا القطاع ودورة التنموي.
معالي المهندس عبدالله العبدالكريم
ولأن الابتكار هو الشغف، فلدينا قصص نجاح مميزة وعالمية بقطاع حيوي وبارز وهو المياه، حيث تمثل تجربة معالي محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة المهندس عبدالله العبدالكريم، نموذجاً للقائد المتميز بموهبة الشغف. فتحول مفهوم المؤسسة من مجرد تحلية لمياه البحر، الى عمل ابتكاري خلاق. وتبوأت المملكة المركز الأول عالمياً. كما نجحت ببراءات الاختراع العالمية التي وصلت إلى أكثر من 22 براءة مسجلة. وقاد الشغف لتكون التحلية منصة عالمية لالتقاء المبتكرين العالمين بهذا المجال. وذلك من خلال تنظيم المؤتمرات الكبرى ودعم المبتكرين عالميا. فكان شغف العبدالكريم بالابتكار ودعمه له، ودعم رواد الاعمال بهذا المجال قصة نجاح تعطي نموذج لمفهوم التفكير خارج الصندوق.
البروفسور إيرنست فورمان
من خبراتنا الوظيفية المتعددة نسمع ونتغنى بالمصطلح الهام “الشغف”، والذي دائما يُحدث الفارق ونجد أحيانا صعوبة في وجود القائد “الشغوف” Passionate لظروف متعددة ومن أهمها أن الشغف كمهارة لا يُكتسب ولا يعتمد على تراكمات إدارية وخبرات وإنما هي “مهارة” لا ترتبط بعمر معين. فنجد الشغوفين الذي اشتهروا بهذه الموهبة أعمارهم تتفاوت، فأعرف عن تجربة البروفسور إيرنست فورمان في جامعة جورج واشنطن الذي قارب على التسعين عاماً ويملك ثروة مالية كبيرة، ولكن حبه وشغفه كأستاذ جامعي يقدم المعرفة، تجعله يواصل شغفه الاكاديمي ومستمر بالتدريس بالجامعة، وبالحضور وبكل شغف من فلوريدا مرتين في الأسبوع إلى واشنطن بمسافة تستغرق ساعتين بالطائرة. ولم يتوقف بسبب العمر او بعد المسافة او حتى اكتفائه المالي الكبير..
نجم كرة القدم العالمي كريستيانو رونالدو
ولأن الشغف صفة مهمة فيمن يتولون المناصب القيادية بالمملكة بحسب رؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، فهناك العديد من القيادات الشغوفين والذي نفتخر بتجربتهم وعملهم المميز. ولكن بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون هذه المقالة محدودة بالأسماء التي تم ذكرها. إلا أنه وبحكم قربي من تجربة الكثير منهم وملامستي الشخصية لتوجهاتهم، وجدت من المناسب أن أتناول موضوع “الشغف” بهم كنموذج وكأمثلة غير محدودة. ولا يمنع ذلك من تناول شخصيات تتميز بالشغف نفتخر بهم مستقبلا. فالشغف بالفعل هو المهارة الأهم في كل إنسان سواء كان منصبة عالٍ أو متوسط.
ولنا بنموذج مختلف وشهير بهذا المجال، وهو اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو. فالشغف لديه لا حدود له. فلم يوقفه عمره ولا ثروته التي تقدر بأكثر من 700 مليون دولار ولا شهرته العالمية، أن تشاهده داخل الملعب مع فريق النصر يلعب بحماس وشغف وكأنه يلعب لأول مرة. كما لم يوقف شغفه جميع ما ذكرته، مع مواصلته أدواره الأخرى خارج الرياضة وخصوصا استثماراته المالية المختلفة.
كلمة أخيرة
لذلك فمن وجهة نظري أن التطرق “للشغوفين” ودراسة نجاحاتهم عن قرب، طريق مهم لكسب الخبرات والمعرفة والاقتداء بهم لأجل أعمال مميزة ومختلفة، تكون فرصة الى جانب التجربة العلمية والعملية لتحقيق النجاحات غير العادية. ولنا في سمو ولي العهد خير دليل على ذلك وهو يقود مرحلة “الشغوفين” في السعودية الجديدة.
محمد الرشيدي هو إعلامي سعودي
انقر هنا للاطلاع على المزيد من مقالات الرأي.
