هو تهديد مزدوج يواجهه العالم نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية التي يبدو أنها لن تلقى سبيلاً الى الحل في وقت قريب. فبين انعدام الأمن الغذائي وضائقة الديون الخطيرة، ستعاني العديد من الدول مخاطر كبيرة تتطلب مبادرات دولية متعددة الأطراف منسقة وشاملة لمعالجتها.
إنه التاريخ يعيد نفسه. فبعد أكثر من عقد من الزمان، عاد الأمن الغذائي مرة جديدة ليكون على رأس جدول أعمال الحكومات في جميع أنحاء العالم، مما يستعيد إلى الأذهان أزمة الغذاء في 2007-2008.
ما يثير المخاوف بشأن الأمن الغذائي هو أن تكلفة الأسمدة لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد. وتصدّر روسيا وأوكرانيا معاً حوالي 28 في المئة من الأسمدة المصنوعة من النيتروجين والفوسفور، وكذلك البوتاسيوم.
في مؤتمر عقد في بروكسل الاربعاء لمناقشة المشاكل الرئيسية التي تواجه الأمن الغذائي بسبب الحرب في أوكرانيا، دعا الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لمنتج الأسمدة العالمي EuroChem سمير بريخو، المجتمع الدولي للمساعدة في ضمان “التدفق الحر” للأسمدة. وإذ شرح كيف أدت الحرب في أوكرانيا إلى ترك العالم، ليس فقط يعاني من نقص الحبوب والقمح المهمين، ولكن أيضاً من الأسمدة، حذر من أن هذا بدوره قد يؤدي إلى شح الإمدادات الغذائية.
35 دولة تعاني أزمة غذائية حادة
ينبه معهد التمويل الدولي من أن حوالي 35 دولة تعاني من أزمة غذائية كبيرة. وهي بالترتيب: أفغانستان، بوروندي، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، أثيوبيا، هايتي، كينيا، مالاوي، الموزمبيق، سيراليون، الصومال، جنوب السودان، السودان، زامبيا، وزيمبابوي.
من بين هذه الدول الـ35، ، تعاني 16 منها أصلاً ضائقة ديون حادة. فمعظم هذه الدول راكمت حجم ديون محلية وخارجية كبيرة خلال العقد الماضي وهي تعاني حالياً من عجز مزدوج. وقد ارتفع الدين الخارجي العام لهذه الدول بأكثر من الضعف منذ العام 2010، حوالي 80 في المئة منه يأتي من دائنين رسميين.
التضخم أشعل أسعار الغذاء
لقد دفعت معدلات التضخم المرتفعة المنتشرة حول العالم، بأسعار الغذاء الى اتخاذ مسار تصاعدي منذ العام 2020، بعدما أدى ارتفاع السلع والتعافي القوي في الطلب بعد كوفيد إلى تعطيل سلاسل الإمداد. وأتت الحرب الروسية – الأوكرانية في العام 2022 لتفاقم هذه الضغوط الموجودة على اسعار الغذاء.
وبما أن كلاً من روسيا وأوكرانيا تلعبان دوراً مهماً في سلاسل الإمداد الغذائية، وخصوصاً في ما يتعلق بالحبوب العالمية والزيزت النباتية، فكان من الطبيعي أن يحصل ارتفاع فوري وقوي في الاسعار بعيد اندلاع الحرب.
هذا أدى الى تنامي مخاطر انعدام الأمن الغذائي خصوصاً لدى الدول ذات الدخل المحدود. وبحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن برنامج الغذاء العالمي، فإن عدد الاشخاص الذي يواجهون حال انعدام أمن غذائي حادة قد ترتفع بنسبة 15 في المئة الى 325 مليون شخص في العام 2022 بسبب الحرب في أوركرانيا.
الطاقة ضرورية للأمن الغذائي
اليوم، ترتبط صناعة الغذاء بشكل كبير بالاستخدام المباشر وغير المباشر للوقود الاحفوري. وبالتالي، فان الاعتماد على المدخلات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمدة يترجم بارتفاع في أسعار الغذاء.
ويشير معهد التمويل الدولي إلى أن اسعار الاسمدة تضاعفت ثلاث مرات منذ منتصف العام 2010، جنباً الى جنب ارتفاع أسعار الوقود الاحفوري.
خطر متنامٍ على الدول النامية
كما أن ارتفاع أسعار الغذاء تشكل خطراً متنامياً على النمو والتنمية في البلدان النامية وسط تداعيات معاكسة على الاستقرار السياسي والاجتماعي. فارتفاع الاسعار قد يؤدي الى اضطراب اجتماعي او انه يافقم المشكلات الموجودة أصلاً، وهو ما سيؤدي الى تزايد الهجرة من الدول التي تواجه تحديات أمن غذائية حادة.
في هذا الاطار، كتب رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في مدونة له في بداية أغسطس/آب الماضي بعنوان “أزمة غذاء عالمية جديدة آخذة في التفاقم” ، إن أزمات الغذاء مدمرة للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً. وعزا هذا الأمر إلى سببين هما: أولاً، عادة ما تكون أشد بلدان العالم فقراً مستوردة للمواد الغذائية. ثانياً، تمثل المواد الغذائية ما لا يقل عن نصف إجمالي نفقات الأسر في البلدان منخفضة الدخل.
اضاف: ” في الوقت الحالي، ورغم السرعة التي فُرضت بها القيود على التصدير والاستيراد، فإنها ليست واسعة النطاق كما كانت قبل عقد من الزمان أو نحو ذلك. على سبيل المثال، تشمل القيود المفروضة على التصدير والاستيراد حالياً نحو 21 في المئة من حجم التجارة العالمية في القمح – أي أقل بكثير من النسبة في ذروة أزمة الغذاء في الفترة 2008-2011 التي بلغت 74 في المئة. إلا أن الظروف مهيأة لدورة انتقامية قد يزيد فيها حجم القيود بسرعة”.
وشدد على أن الاوان آن لنزع فتيل الخطر. فأزمة الغذاء العالمية ليست قدراً لا مفر منه بأي حال من الأحوال. ورغم الارتفاع غير العادي في أسعار المواد الغذائية في الآونة الأخيرة، فإن المخزونات العالمية من السلع الأساسية الثلاث – الأرز والقمح والذرة – لا تزال كبيرة بالمعايير التاريخية.
وكانت مجموعة السبع اتخذت مؤخراً خطوة مهمة تمثلت في التعهد بعدم فرض حظر على تصدير المواد الغذائية واستخدام “جميع الأدوات وآليات التمويل” لتعزيز الأمن الغذائي العالمي. وتضم هذه المجموعة العديد من أكبر مصدري السلع الأساسية – بما فيهم الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي.
“ينبغي أن ينضم كبار مصدري المواد الغذائية – مثل أستراليا والأرجنتين والبرازيل – إلى هذا الالتزام”، يقول مالباس. وحض على أن يكون الحفاظ على استمرار التدفقات العالمية للمواد الغذائية، لا سيما في وقت تزايد الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية، حداً أدنى مطلوباً من واضعي السياسات في كل مكان.
وكانت مجوعة البنك الدولي أعلنت في يوليو/تموز الماضي انها ستوفر نحو 30 مليار دولار لتحسين الأمن الغذائي في الدول النامية التي تواجه بالفعل أزمة ديون.
في الختام، فان العالم يواجه اليوم مجموعة غير مسبوقة من الأزمات التي قد تعرض مستقبلنا لمخاطر شديدة. ومرة أخرى، يحتاج إلى مبادرات وتعزيز جهود المجموعات الضاغطة لإدارتها بالشكل الصحيح.