لا حديث يعلو بين اللبنانيين على موجة الغلاء غير مسبوقة التي يغذيها ارتفاع معدلات التضخم، والتدهور اليومي لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، وأموالهم الضائعة في المصارف. في وقت تتنامى الاعتراضات على خطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرتها الحكومة.
تشير المعلومات المتداولة في بيروت إلى أن خطة التعافي ستطرح مجدداً على طاولة التعديل بعد بروز اعتراضات عارمة عليها من كافة الأطراف السياسيين ومن الهيئات الاقتصادية والنقابات المهنية.
في المعلومات التي استقاها “إيكونومي ميدل إيست” أن فريق صندوق النقد الدولي الذي أبرم اتفاقاً على مستوى الخبراء مع لبنان في أبريل/نيسان الماضي لمنحه قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار بعد أن ينفذ الأخير سلسلة من الإصلاحات، لن يقبل بخطة لا تلقى تأييداً محلياً عارماً، وهو ما كان طلبه سابقاً.
ورجحت مصادر مصرفية لــ”إيكونومي ميدل إيست” أن يبلغ صندوق النقد الدولي المعنيين في لبنان عدم تبني الخطة بصياغتها الراهنة، سيما وأنها تحمّل الجزء الأكبر من الاعباء والخسائر على كاهل المودعين وبالتالي المصارف من ضمن استراتيجية استيعاب الخسائر المقدرة بنحو 70 مليار دولار في القطاع المصرفي.
فالخطة التي أقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في جلستها الأخيرة قبل تحول الحكومة الى حكومة تصريف أعمال بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 15 مايو/أيار الماضي، تضع المودع كبش فداء. إذ تبرئ الدولة ومصرف لبنان من تحمل مسؤولية الخسائر المالية الفادحة وتنقلها إلى القطاع المصرفي والمودعين. علماً انها تقدر رأس المال السلبي المتراكم في مصرف لبنان بأكثر من 60 مليار دولار.
بحسب المصادر، فإن الدولة أعطت لنفسها، من خلال الخطة، شطب ديون مستحقة عليها من دون العودة إلى حاملي دينها، وحولّت مطلوباتها إلى خسائر يتحملها الاقتصاد، واقتطعت أموال المودعين من دون الأخذ برأيهم.
واستغربت المصادر كيف أن الدولة تنصلت من مسؤولياتها في تراكم الدين العام وهي الجهة التي كانت تنفق طيلة هذه السنوات، وكيف أنها حيّدت مصرف لبنان عن التزامات سد الفجوة الكبيرة في ميزانيته، فيما ألقت الجزء الأكبر من الخسائر على عاتق توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان وعلى أرصدة المودعين.
من جهتها، ترجح مصادر مالية ألا توافق الحكومة الجديدة التي ستشكل بعد تكليف شخصية لرئاستها وتعيين أعضائها، على بداية ولايتها وسط موجة من الضغوط التي ستعرقل عملها. وهذا يعني أنها ستطرح الخطة مجدداً على طاولة البحث والنقاش.
كما انه ليس من المرجح أصلاً أن تمر الخطة في مجلس النواب الذي أطلق مسبقاً سهامه عليها، ولم يبدِ حماسة لتمرير الاصلاحات التي تمهد لها، كمشروع قانون وضع قيود على التحويلات (الكابيتال كونترول) أو مشروع موازنة العام 2022، أو تعديل بعض أحكام السرية المصرفية. وكل هذه القوانين مطالب من صندوق النقد الدولي.
لبنان أضاع وقتاً ثميناً
“لقد أضاع وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي” يقول البنك الدولي منذ أيام.
ويلفت إلى أنّ تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس فقط على الحياة اليومية للمواطنين، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. “فعد مرور عامين ونصف عام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي، يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمّد في معالجة أسباب الأزمة، على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة، وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط”.
ووفقاً لتحليل البنك الدولي، هوى إجمالي الناتج المحلي الإسمي من قرابة 52 مليار دولار في 2019 إلى مستوى متوقع بقيمة 21.8 مليار دولار في 2021، مسجّلاً انكماشاً نسبته 58.1 في المئة. وواصل سعر الصرف تراجعه الشديد، متسبباً في دخول معدّلات التضخم في خانة المئات.
بحسب أرقام إدارة الاحصاء المركزي، سجّل مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر أبريل/نيسان 2022، ارتفاعاً وقدره 7.10 في المئة مقارنة مع شهر مارس/آذار 2022. في حين سجّل ارتفاعاً وقدره 206.24 في المئة مقارنة مع أبريل/ نيسان العام 2021. أما معدل تضخم أسعار الاستهلاك، فقد بلغ خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 18.54 في المئة.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، لا تزال المودودات الخارجية بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان تتراجع في ظل تدخله في المنصة الالكترونية (صيرفة) بهدف لجم الارتفاع الكبير للدولار مقابل الليرة. وهي وصلت عند حدود 10.9 مليارات دولار في مايو/ايار وبتراجع نسبته 24.09 في المئة أو 5.08 مليارات دولار مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه في نهاية مايو/أيّار 2021.
وهذا يؤشر على أن مصرف لبنان لن يكون قادراً على التدخل في سوق القطع التي تستنزف أمواله التي هي في نهاية المطاف أموال المودعين. ويشي ذلك بان اللبنانيين سيعيشون أياماً أكثر قتامة من اليوم… وعلى أمل أن نكون مخطئين.