كان ذلك في وقت متأخر من بعد الظهر في الرياض، حين جلست مع ثريا بنشيخ، المديرة المالية لمجموعة بريتيش أميركان توباكو. هذه الشركة الرائدة، التي تخضع لتحول صناعي هائل نحو بناء غدٍ أفضل “A Better Tomorrow™”، كانت محطتي في واحدة من أكثر المحادثات إثراءً وإنسانية مع قائد شركة.
طاقتها هادئة، لكنها تفيض بالحكمة العميقة. تتحدث بإيقاع مدروس، وكلماتها تنبض بالذكاء والتواضع. بسرعة، بدأت قصة رحلتها الاستثنائية تتكشف — قصة ملهمة مليئة بالنزوح، وإعادة الاكتشاف، والشجاعة العظيمة، والقيادة الحكيمة.
وُلدت بنشيخ في لبنان، وكانت سنواتها الأولى مشبعة بتأثيرات الحرب. في العام 1983، هربت عائلتها إلى أوروبا بحثًا عن اللجوء والاستقرار. تتذكر قائلة: “لم أعتبر أي شيء أمرًا مفروغًا منه أبدًا. عندما تأتي من بلد مزقته الحرب، تتعلم القتال من أجل كل فرصة”. وقد خاضت هذه المعركة بإرادة صلبة. درست الرياضيات في الجامعة — ليس لأنها كانت تمتلك خطة واضحة، بل لأن هذا المجال أثار فضولها. وسوف يصبح هذا الفضول، إلى جانب شجاعتها، من أبرز سماتها فيما بعد.

رحلة صُنع قائدة
تبدأ قصة ثريا بنشيخ المهنية بلقاء غير متوقع في معرض مهني، يقودها إلى برنامج التدريب الإداري في شركة “جيليت”. ومن هناك، تتطور مسيرتها لتصبح محاسبة معتمدة، تنتقل بين مناصب مختلفة في شركة “جنرال إلكتريك”، وفي النهاية، تلتقي بمفارقة القدر في مجموعة بريتيش أميركان توباكو. تتذكر ضاحكة: “سألني أحد مسؤولي التوظيف عمّا إذا كان لدي أي نية للعمل في مجال التبغ. في ذلك الوقت، كنت أدخن، فقلت: بالتأكيد!”.
كانت مسيرتها المهنية في مجموعة بريتيش أميركان توباكو تتسم بالتنوع والتحولات. تنقلت بين المناصب في قبرص وسويسرا وفرنسا وروسيا، حيث علمتها كل خطوة نموذجًا مختلفًا للأعمال والقيادة. انتقلت من مجال التمويل إلى الإدارة العامة، وتولت مسؤوليات تتعلق بالتحولات التجارية في فرنسا وجنوب إفريقيا، بما في ذلك عملية استحواذ رئيسية في قطاع التدخين الإلكتروني.
ثم بدأت الجائحة. عرضت عليها شركة “دياجيو” منصبًا إداريًا عامًا في شمال أوروبا. لم تتردد بالقبول وانتقلت إلى ألمانيا حيث سجلت ابنها في مدرسة جديدة، وبدأت بإدارة شركة لم تراها من قبل عبر تطبيق زووم. كانت هذه التجربة رحلة تعلم شاقة بالنسبة لبنشيخ حيث أدارت سوق ناضجة ومعقدة من وراء الشاشة، في بلد جديد وخلال أزمة عالمية.
“ما ظننته نقطة ضعف – كوني جديدة وبعيدة وغير مألوفة – تحوّل إلى نقطة قوة،” قالت بنشيخ. بعد تحقيق النجاح بدعم فريقها النشيط والملهم، رُقّيت بنشيخ إلى منصب رئيسة أوروبا.
كان تحول ثريا بنشيخ في شركة “دياجيو” سريعًا. رُقّيت إلى منصب رئيسة أوروبا، وساهمت لاحقًا في تأسيس مركز الشركة في الخليج، وتُشير بفخر إلى أنه “أسرع تجمع نموًا في المنطقة”.
وعندما عرض عليها الرئيس التنفيذي لمجموعة بريتيش أميركان توباكو منصب المديرة المالية للمجموعة، لم تتردد أيضاً. وأضافت “هذا التحول – من شركة تبغ عمرها مئة عام إلى شركة رائدة في مجال السلع الاستهلاكية مع التركيز على بدائل الدخان – يُعدّ من أكثر التحولات تعقيدًا في قطاعنا. إنه مؤثر للغاية.”

قيادة مجموعة بريتيش أميركان توباكو إلى الأمام
تعتبر بنشيخ أن إرث مجموعة بريتيش أميركان توباكو أمر واقع. “ما زلنا نستمد معظم إيراداتنا من المواد القابلة للاحتراق، لكننا نستخدم ذلك لتمويل البحث والتطوير وبناء فئات جديدة وتطوير أعمالنا. لقد حققنا التعادل في الفئات الجديدة قبل عامين من الموعد المخطط له،” أضافت.
وينصب تركيزها على دفع عجلة الابتكار التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الصحة العامة مع ضمان استدامة الأعمال وقيمة المساهمين. بصفتها قائدة في المجموعة، تؤمن ثريا بنشيخ بالمشاركة في الإبداع. تقول: “أنت تقود ما تُبدعه”. لقد تجاوزت الكمالية، مُدركةً أن الملكية من الفريق تُحقق نتائج أفضل من التوجيهات الصارمة من القيادة، فقد تطور أسلوبها من القيادة إلى التعاون ومن الحاجة إلى السيطرة إلى بناء توافق الآراء.
الشؤون العائلية
نشأتها مع خمسة إخوة في أسرة تقليدية منحتها مرونةً. “غالبًا ما تتحمل النساء في منطقتنا عبئًا إضافيًا يتمثل في إثبات جدارتهن،” قالت بنشيخ. لكنها شقت طريقها الخاص. “لطالما عرفت أنني لا أريد التبعية الاقتصادية. هذا هو أساس الاستقلال الحقيقي،” أضافت.
تمكين المرأة
تتحدث ثريا بنشيخ بإجلال عن رؤية 2030 والنساء القويات اللواتي التقت بهن في قمة فورتشن لأقوى النساء في الرياض مؤخرًا. “لو أخبروني قبل عشر سنوات أنني سأحضر مؤتمرًا كهذا في السعودية، لما صدقت. طاقة هؤلاء النساء وطموحهن وقدراتهن – إنه لأمرٌ مذهل.”
وتعرب بنشيخ عن فخرها بجهود مجموعة بريتيش أميركان توباكو في المنطقة، قائلةً “نحن نستثمر في مراكز للذكاء الاصطناعي ونوظف المزيد من النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ونُطلق مبادراتٍ صحية مثل “SoViva” ومنصاتٍ للتواصل مثل “Majlis”. أربعون في المئة من قياداتنا العليا في الشرق الأوسط من النساء. نحن نُغير المفاهيم.”
خارج نطاق مجلس الإدارة، تُعيد ثريا بنشيخ صياغة المعايير. فهي تُشارك في استضافة حفلات عشاء نسائية رفيعة المستوى في لندن، لربط القيادات النسائية الطموحة بالمسؤولين التنفيذيين المرموقين. “الإرشاد رائع، لكن الرعاية – أي ذكر اسم شخص ما عندما لا يكون موجودًا في الغرفة – هي ما يُغير الحياة،” أضافت.
عندما سألتها عن قدوتها، قالت: “الشخصيات العامة قد تُلهم، لكن من حولي – زوجي وابني – هم من شكّلوني”. تتحدث عن نزاهة زوجها الهادئة – شخص يفعل الصواب دائمًا، مهما كلّف الأمر، ويعطي من أجل متعة العطاء، دون انتظار أي مقابل.
“كان لهذا النوع من النزاهة الهادئة تأثير عميق عليّ. وابني – لديه متعة الحياة ويجرؤ على عيشها على أكمل وجه. إنه حساس للغاية ومُحب للغير، يُخرج دائمًا أفضل ما في الناس. يلهمك بإيجابيته وإيمانه بقوة الأحلام. يتمنى أن يكون لاعبًا في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين – ويعيش كل يوم كما لو كان ذلك حقيقة واقعة.”

اقرأ أيضاً: علي سجواني: رؤية جريئة لبناء إرث فاخر ونمو عالمي مبتكر في عالم المعيشة الفاخرة
كلمات حكيمة
لو كان بإمكانها أن تقدّم نصيحةً لنفسها الأصغر سنًا، لكانت هذه: “اشغلي مساحةً لنفسك. اطلبي المزيد. تجرّئي أسرع. لقد بذلت جهدًا كبيرًا للتأقلم. كان عليّ أن أمضي قدمًا.”
لم ينتهي حديثنا بأرقام أو مقاييس، بل باقتباسٍ تقدّره ثريا بنشيخ: “حياتك لا تحدّدها ما تقدّمه لك الحياة بقدر ما تحدّدها نظرتك للحياة.” في هذا الاقتباس، لا تجسّد بنشيخ التحوّل فحسب، بل الرقيّ والشجاعة اللازمتين لقيادته.
انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات الخاصة.