يحظى قطاع التعدين في السعوديّة على اهتمام واسع، حيث يعدّ الركيزة الثالثة في الاقتصاد الوطني بعد قطاعي النفط والبتروكيماويات. وترى المملكة في هذا القطاع أهميّة إقتصاديّة ضخمة، لما قد يوفّره من استثمارات ومداخيل طائلة للدولة. وهذا الإهتمام عبّر عنه وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان في مقابلته الأخيرة التي أجراها مع قناة Fox News، مؤكّدا أنّ هذا القطاع في أوليّات رؤية 2030 الإقتصاديّة.
لمحة تاريخيّة حول قطاع التعدين في السعودية
هذا وقد بدأت رحلة استكشاف واستغلال الثروات المعدنية في المملكة منذ عام 1997، حيث طوّرت وزارة البترول والثروة المعدنية إستراتيجية لتنمية قطاع التعدين ما بين عامي 1996 و1997، للبحث عن الفرص المتاحة في قطاع التعدين. وتواصلت الجهود وصولاً إلى النقلة النوعية في القطاع التعديني بعد إطلاق رؤية المملكة 2030 والتي تستهدف تنويع القاعدة الاقتصادية في المملكة، وأن يكون التعدين الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية. حيث تم إطلاق ثلاث مبادرات إستراتيجية كبداية لتطوير القطاع، والتي تتطلب العمل على مسوحات جيولوجية للمملكة، وتحديد فرص الاستثمار في هذا القطاع، بالإضافة الى دراسة الحوافز الممكنة لتنميته.
وكانت إحدى أهم توصيات الاستراتيجية هي إصدار نظام الاستثمار التعديني الجديد وتطويره، والذي يراعي تحفيز تطوير القطاع مما يعزز الاستثمار الأجنبي. وذلك من خلال تخفيض نسبة الضريبة من 45 في المئة إلى 20 في المئة. وبفضل هذه الخطوة، أصبحت المملكة من بين أكثر مناطق التعدين تنافسية على مستوى العالم. وطوّر نظام الاستثمار ليحرص على حماية المستثمرين بما يتناسب مع المعايير الدولية.
اقرأ أيضا: صناعة التعدين في السعودية قيّمة كالذهب
الأهداف المرجوّة من قطاع التعدين في السعودية
ومن أبرز الأهداف التي تسعى إليها رؤية السعودية 2030، في مجال التعدين نذكر:
- تنمية الطموح ودعم تطوير الاقتصاد السعودي، رفع القدرة التنافسية والإنتاجية للشركات الوطنية، تشجيع الشركات السعودية الكبرى على التوسع عالميًا لتصبح متقدمة إقليميًا وعالميًا.
- التركيز بشكل أكبر ووضع التوقعات لقطاع التعدين، التوسع في استكشاف الثروات المعدنية وتطويرها، مساهمة قطاع التعدين بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 97 مليار سعودي، مراجعة إجراءات استخراج الرخص.
- التركيز بشكل أكبر على الاستدامة وتنمية رأس المال البشري، التركيز بشكل أكبر على الصادرات غير النفطية، تحسين الابتكار والتكنولوجيا، والحد من التلوث، وتحفيز ترشيد استهلاك المياه، ومكافحة التصحّر، تنمية سلسلة القيمة المحلية، وجذب المواهب وتطويرها.
فيما النقاط التي يعمل عليها برنامج التحول الوطني لتحقيق الأهداف المنشودة هي:
أوّلا، إعطاء الأولوية لاعتماد الاستراتيجية الشاملة للقطاع وتنفيذها، حيث تم تحديد تطوير قطاع التعدين في السعوديّة كمبادرة ذات أولوية.
ثانيا، دعم العديد من المبادرات الهادفة إلى تطوير النظام البيئي الصناعي الأوسع نطاقا وبيئة قطاع الأعمال، وذلك عبر تطوير نظام التعليم للتكنولوجيا التطبيقية، و تطوير سلسلة التوريد المحلية، و تحسين كفاءة الموانئ، و تنفيذ استراتيجية الاستثمار الوطنية، و الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية والمعدنية لتنمية المناطق النائية، وربط شبكة الكهرباء بتلك المناطق.
التخطيط لجذب الإستثمارات الأجنبيّة
وإلى ذلك، تخطط المملكة العربية السعودية لجذب 32 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في قطاع التعدين وإنتاج المعادن عبر 9 مشاريع مختلفة، مستفيدة من النمو المتوقع لإنتاج المعادن عالمياً بنحو 500 في المئة حتى عام 2050. وكانت السعوديّة قد بدأت بجذب الإستثمارات في هذا القطاع بالفعل، منذ العام الماضي، لتتجاوز الإستثمارات الأجنبيّة في قطاع التعدين في السعوديّة الـ 8 مليارات دولار. وتمّ إصدار 145 رخصة، ولدى المملكة حالياً 558 رخصة سارية للكشف عن المعادن، و168 رخصة سارية لاستغلال المعادن والمناجم الصغيرة.
وكانت قد كشفت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، في وقت سابق، أنّ عدد المجمعات التعدينية في المملكة وصل حتى نهاية عام 2022 إلى 377 مجمعًا، بمساحة إجمالية 44,365 كيلومترًا مربعًا، موزعة على 13 منطقة.
تتصدّر منطقة مكة المكرمة المناطق بـ 76 مجمعًا، تلتها منطقة الرياض بـ 60 مجمعًا، ثم منطقة المدينة المنورة بـ 53 مجمعًا، ومنطقة عسير بـ 34 مجمعًا، والمنطقة الشرقية بـ 25 مجمعًا، ومنطقة نجران بـ 24 مجمعًا، ومنطقة القصيم بـ 23 مجمعًا، ومنطقة الجوف بـ 20 مجمعًا، ومنطقة الباحة بـ 17 مجمعًا، ومنطقة حائل بـ 16 مجمعًا، ومنطقة تبوك بـ 14 مجمعًا، ومنطقة جازان بـ 11 مجمعًا، ومنطقة الحدود الشمالية بـ 4 مجمعات.
وتتوزع المجمعات التعدينية من حيث نوع المعادن على أكثر من 20 معدنًا مختلفًا، من بينها البحص، والذهب، والحديد، والنحاس، والجرانيت، والرخام.
مؤتمر التعدين الدولي في الرياض
وتتحضّر السعوديّة لإطلاق مؤتمر التعدين الدولي في الرياض في نسخته الثالثة، والمنوي عقده خلال الفترة الممتدة بين 9 إلى 11 يناير/كانون الثاني، في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات. ويُنظر إليه كقمة لمستقبل المعادن. حيث يشارك أكثر من 200 رئيس تنفيذي و 50 وزيرا للتعدين والطاقة وأكثر من 5,000 من القادة العالميين من 80 دولة لتشكيل أجندة مستقبلية لسلسلة توريد المعادن في المنطقة.
وفي هذا الإطار، كان قد أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، في تصريح سابق، أنّ ” النسخة الثالثة من المؤتمر ستشهد إشراك جانب العرض والطلب على المعادن الأكثر استخداماً في تحقيق توجهات العالم للتحول نحو الطاقة النظيفة، لتكون منصة للنقاش بين الدول المنتجة والمستهلكة للمعادن، وضمان استمرارية الاستثمار في القطاع، بدءاً من المناجم والتصنيع وعمليات التكرير والمعالجة، إضافة إلى التعامل مع التحديات المختلفة في عمليات التمويل والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، وهو ما يدل على مكانة المؤتمر وتنوع المشاركين فيه”.
وأشار إلى أنّ “المؤتمر ركز في نسخته الثانية على التقنيات الجديدة في قطاع التعدين، وسيستمر في نسخته الثالثة والدورات القادمة على دعم تبني التقنيات في قطاع التعدين في السعوديّة لخلق بيئة ونشاط تعديني أكثر كفاءة وأمناً ومحافظة على البيئة، وسيعمل على وضع خريطة طريق لتحويل النقاشات المعمقة التي تجري في جلساته وأنشطته إلى أفعال يمكن تطبيقها على أرض الواقع؛ خصوصاً أن قطاع التعدين والمعادن يواجه كثيراً من التحديات، أبرزها ازدياد الطلب على المعادن بشكل عام، وعلى المعادن اللازمة لتحقيق تحول نحو الطاقة المتجددة بشكل خاص”.
قطف الثمار يبدأ مع نهاية عام 2023
في المحصّلة، يبدو أنّ مساعي السعوديّة وجهودها المكثّفة لتطوير اقتصادها، وإحداث نقلة نوعيّة في مصادر دخلها الاقتصادي، بدأت تقطف ثمارها، بعد أن سلكت طريقها في عالم الاستثمارات، فيما النجاح الأكبر سيكون من حصّة قطاع التعدين، الذي وعلى ما يبدو قد يصبح في الأعوام المقبلة واحد من أهمّ ركائز الاقتصاد السعودي.
أنقر هنا للمزيد من المواضيع حول الطاقة.