في عالم تتقدم فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، تتخذ شركة الأسترالية الناشئة Cortical Labs نهجًا فريدًا للذكاء الاصطناعي. من خلال بناء الرقائق الحاسوبية باستخدام الخلايا العصبية البيولوجية من الفئران والبشر، تأمل الشركة في إنشاء فئة جديدة من الذكاء الاصطناعي يمكنها توفير حلول لأكبر التحديات المجتمعية.
تمتلك الأدمغة المصغرة في مختبرات Cortical طاقة معالجة أقل من دماغ حشرة اليعسوب، الذي يملك إمكانات ضئيلة مقارنةً بالدماغ البشري. ومع ذلك، تعمل الشركة على تقنية – يطلق عليها اسم DishBrain – لمضاعفة قوة معالجة الرقائق التي تعمل من خلال استخدام الخلايا العصبية للفئران لتكون قادرة على لعب لعبة “بونغ” (Pong).
تنتمي Pong إلى فئة الألعاب التي تعمل باستخدام النقود المعدنية، واستخدمتها شركة Deepmind للذكاء الاصطناعي لاختبار قوة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها في العام 2013. إذا تمكنت Cortical Labs من الحصول على رقائقها لتشغيل Pong، فسيمثل ذلك علامة فارقة في تطوير هذه التقنية.
وفقًا للمؤسس المشارك لـ Cortical Labs، هون وينغ تشونغ، فإن DishBrain هي تقنية رائدة تمكن الباحثين من دراسة الخصائص الذكية للخلايا العصبية الحية في طبق بتري – طبق ضحل ودائري وشفاف بغطاء مسطح، يستخدم لزراعة الكائنات الحية الدقيقة – خارج إطار البنية.
أولى المحاولات
ليس توظيف الخلايا العصبية البيولوجية لتشغيل أجهزة الكمبيوتر بالمفهوم الحديث، بحيث وُجدت هذه التقنية منذ 20 عامًا ولكن لم تلقَ رواجاً حتى يومنا هذا. في الواقع، نجح باحثون من أوروبا من تشغيل شبكة عصبية عاملة تسمح لخلايا الدماغ البيولوجية والقائمة على السيليكون بالتواصل مع بعضها البعض عبر الإنترنت. كما حاول باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيضًا استخدام البكتيريا لبناء نظام حوسبة في العام 2016.
يختلف DishBrain عن غيره من أجهزة الأدمغة السابقة المثبتة على رقاقة، والتي قامت فقط بقياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية. في المقابل، يسمح DishBrain للخلايا العصبية بمعالجة المعلومات والاستجابة وفقًا لذلك، مما يوفر مستوى أكثر تقدمًا من الذكاء.
في يونيو/حزيران 2019، تأسست شركة Cortical Labs ونجحت منذ ذلك الحين في تأمين تمويل يزيد عن 1.6 مليون دولار. ساهمت Blackbird Ventures بتوفير حوالي نصف هذا التمويل تقريبًا، بينما تم جمع المبلغ المتبقي من شركات الأسهم الخاصة والمستثمرين الملائكة.
اقرأ أيضاً: السر الكامن وراء الآلة: الذكاء الاصطناعي في دائرة الضوء
مخاوف أخلاقية
في حين تعدّ هائلة الفوائد المحتملة التي قد تزخر بها هذه التقنية، إلا أن هناك مخاوف أخلاقية يجب مراعاتها. هل يعرف الأفراد الذين يتبرعون بالخلايا الجلدية لأغراض بحثية أنه يمكن استخدام خلاياهم لإنشاء أجهزة كمبيوتر عصبية؟ كما أنه هل ينبغي تعويض المانحين عن مساهماتهم؟ وهل يمكن لأجهزة الكمبيوتر هذه أن تطور وعيها وتختبر الشعور بالألم؟
تعتبر موافقة المانحين المطلعين بالكامل ذات أهمية قصوى، وفقًا لبريت كاجان، الرئيس التنفيذي للشؤون العلميية في Cortical Labs. وينبغي أن تتاح لأي مانح فرصة التوصل إلى اتفاق للحصول على تعويض كجزء من هذه العملية، كما يتعيّن على الجهات المعنية احترام الاستقلالية البدنية للمانح دون قيد أو شرط.
الاحتمالات مشرّعة
مع استمرار تطور مجال الذكاء الاصطناعي، تفتح إمكانية استخدام الخلايا العصبية البيولوجية لتشغيل أجهزة الكمبيوتر مجالًا جديدًا من الاحتمالات لتوفير حلول لبعض أكبر التحديات المجتمعية. وفي حين أن تقنية DishBrain لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تتمكن من مطابقة قوة المعالجة للدماغ البشري، فإن التقدم الذي أحرزته Cortical Labs وباحثون آخرون في هذا المجال واعد للغاية. إن مستقبل الذكاء الاصطناعي مثير ولافت، وإمكاناته لا حدود أو حصر لها. من يدري ماذا سنكون قادرين على القيام به عندما نجمع بين قوة علم الأحياء والتكنولوجيا؟
انقر هنا للاطلاع على المزيد من التقارير التقنية.
