“وقعتُ مؤخرًا على مقال أدهشني في صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان (“أمازون” يحكم قبضته على متاجر “هول فودز”). خلال مروري على الكلمات، راودتني مشاعر وأحاسيس مختلطة تراوحَت بين الدهشة والرهبة والحماسة والعصبية والتعجب والارتباك وعدم اليقين، تقول نيكا ميجلاني، الرئيس الاستراتيجي للتسويق والتجارة الإلكترونية في شركة Liquid Retail.
“ودفعني ذلك في نهاية المطاف، على التعمق في الأمر. يجري الحديث منذ مدّة حول مفهوم البيع بالتجزئة الآلية داخل المتجر أو البقالة أو غير ذلك. في هذا الإطار، برز البعض ممّن انكبّوا عبر متاجرهم التجريبية، على اختبار مفهوم “التسوق الخالي من الاحتكاك” لتقصّي مدى فعاليته وإمكان تطبيقه.”
وتكمن أهمية المفهوم الجديد بالدرجة الأولى، بالحدّ من الاحتكاك خلال إتمام عمليات الدفع، لإفساح المجال أمام العملاء لاختبار تجربة تسوق سلسة والخالية من الانتظار. ويشتمل ذلك على أتمته شبه كاملة لِتجربة التبضّع التي يجري ربطها بحسابات التجزئة الإلكترونية الخاصة بالمتسوّقين. ويتيح ذلك للعملاء خيار بدء عملية التسوق عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة في تطبيقات التجزئة التي يستخدمونها لشراء حاجيّاتهم، أو تسجيل الدخول عن طريق مسح بصمة اليد خاصّتهم في أحد الأكشاك للوصول إلى حسابانهم الاكترونية. ومن خلال إتمام هذه الخطوة، يخضع العملاء لرصد تام ودقيق لجميع خطواتهم، بواسطة كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار المنتشرة في جميع أنحاء المتجر، والتي تقوم بتدوين كل ما يقرر الزبون شراءَه وضمّه إلى عربة تسوق افتراضية.
بمجرد الانتهاء من تجربة التسوق، يمكن للعملاء إتمام عملية الدفع الذاتي في أحد الأكشاك المتواجدة في المكان، كما بإمكانهم ببساطة، الخروج من المتجر والحصول على فواتير عبر حساب التجارة الإلكترونية لبائعي التجزئة. وبينما يغني ذلك عن الحاجة لأمناء الصناديق، وطوابير الانتظار الطويلة، ولا يدع مجالاً لإمكان حصول عمليات اختلاس أو سرقة، يقضي في المقابل على الشعور بالحياة الطبيعية والتفاعل البشري، ويشكل انتهاكاً للخصوصية. قد يبدو ذلك في ظاهر الأمر طريقة جديدة لتسوّق الحاجيات، تعتمد بشكل أساسي على الأتمتة كأداة مثالية نحو التقدم، إلا أنها في الحقيقة، هي ثورة فعلية وقفزة عملاقة إلى الأمام.
ما هي توقعات العملاء حيال تجربة التسوق الخالية من الاحتكاك وغير المتصلة بالإنترنت؟
هناك فئة من الناس ترحّب دوماً بكل ما هو تكنولوجي حديث ومتطور، وما يوفّره من راحة وسهولة في التعامل. لن يفكر الجيل الجديد الذي ترعرع في كنف التكنولوجيا، كثيراً قبل تبنّي هذه التقنية واعتمادها. في المقابل، يرجّح أن يبدي جيل الألفية قلقاً إزاء هذه الخطوة ما لم تتوفر له ضمانات من أن ذلك لن يتمّ على حساب إمكان تسّرب معلوماتهم الشخصية وتعرّضها للخطر. إلى ذلك، من المحتمل أن تشكّل فكرة احتواء المتاجر على مئات الكاميرات التي تتعقب وترصد تحركات المتسوقين، مثاراً للقلق لدى الكثيرين.
فضلاً عن ذلك، عندما يتعلق الأمر باستخدام بيانات الإنترنت، قد تبدو فكرة سديدة للغاية إتاحة الخيار أمام المتسوقين لتلقي العروض الشخصية واقتراحات منتجات معينة. وفي ظلّ التطور التكنولوجي الكبير الذي نشهده في عصرنا الحالي، تبزر الحاجة لتوفير تجارب أكثر مرونة وأقل تطفلاً.
مما لا شك فيه أن الرقمنة أسهمت في تسهيل حياتنا إلى حدّ كبير. فالتجارة الالكترونية التي تعدّ شكلاً آخر من أشكال التسوق الرقمي، كانت بمثابة قارب النجاة لعشّاق التسوّق خلال فترات الإغلاق قبل عامين. وبفضل جهود بائعي التجزئة في مجالّي التجارة الإلكترونية والسريعة على حدّ سواء، تمكّن معظم الناس الحصول على كل ما يحتاجون من سلع ومنتجات ضمن جميع الفئات، في كل وقت ومكان.
من ناحية أخرى، يدرك الناس بطبيعة الحال، أنهم ما زالوا يتوقون إلى اختبار التجارب الاجتماعية من جديد، ويحنّون لشراء حاجياتهم من بقّال الحي الذي يقطنون فيه. مع إعادة المحال التجارية فتح أبوابها أمام المتسوقين الذين عادوا – أو أوشكوا أقلّه، على العودة – لأسلوب حياة ما قبل الجائحة، لا يزال التسوّف في المتاجر الفعلية يمثل خياراً جذابًا للغاية (حتى في ظلّ الواقع الافتراضي، أو ما يُعرف بالميتافيرس، الذي يلوح في الأفق ليرسم مستقبلنا غير البعيد).
ما يخبّئه المستقبل
في حين بدأت مفاهيم معينة تؤتي ثمارها، مثل التجارة الشاملة والتجزئة متعددة القنوات، بالإضافة إلى رقمنة تجربة التسوق غير المتصلة بالإنترنت، إن السؤال الذي يطرح نفسه هو معرفة ما إذا كان ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح حقًا، أم أنه يتطلب اختبارات إضافية، لقياس مدى تأثيرات السلبية المحتملة على الخصوصية واستخدام البيانات وغيرها من الاعتبارات التي تتعلّق بالشقّ الإنساني (أو عدمه).
تكمن المسألة الأخلاقية في أن مفهوم الأتمتة يمكن أن يؤدي للاستغناء عن الكثير من الوظائف. وبطبيعة الحال، سيرفض المجتمع كل ما قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات البطالة، ولو بصورة جزئية. وإذا كانت عملية الدفع قادرة على إبطال عملية التسوق الخالية من الاحتكاك، فكيف يمكن إعادة ترتيب أدوار الموظفين على نحو يضمن نجاح التجربة وجعلها أكثر مثالية وإمتاعًا؟
يمكن أن يساعد الاستعانة بخبراء استشاريين داخل المتجر لتعزيز الشخصنة والفردانية، في إضفاء طابع الألفة بين بائعي التجزئة والعلامات التجارية المشارِكة. كما أنه يمكن توظيف عمال لمرافقة أصحاب الهمم أو كبار السن خلال رحلة تسوقهم داخل المتجر، بالإضافة إلى عمال التوصيل الفوري للمنازل في حالة الشراء بالجملة. كل ذلك من شأنه أن يجعل تجربة التسوق خالية من الاحتكاك، مع الحفاظ على الاتصال البشري. بالطبع، سيميل الكثيرون لتفضيل الأتمتة الكاملة لتجربة التسوق، لكن هنا تكمن قوة الاختيار. قد لا يحتاج بالضرورة اعتماد حلٍّ جديد إلى استبدال حل قديم أو تخفيفه، بل يمكن دمج الحلّين اللذين قد يكمل أحدهما الآخر.
ليس من الضروري أن يقترن توفير الراحة الإضافية من خلال الرقمنة، إلى خلق تجارب انعزالية وغير مبالية بالآخر. بل على العكس، يُنتظر أن تكون غامرة وقيّمة وشمولية، لا سيّما وأنها تتيح للمتسوقين الاستمتاع بالقيمة غير الملموسة للوقت.