برزت منصة “سيلسيوس” (Celsius) لإقراض العملات المشفرة مجدداً في دائرة الضوء، لكن هذه المرة للكشف أمام المحكمة العامة عن وثائق تتضمن كافة الأسماء والتداولات الأخيرة التي قام بها المستخدمين التابعين له.
وقام موقع Twitteratti بتصنيف هذه الخطوة ضمن خانة “إفشاء المعلومات الشخصية”، في حين ذهب البعض إلى حدّ القول بأن نشر معلومات مماثلة قد “يؤدي إلى تفشّي عمليات السرقة والقتل”.
لست شخصياً من المناصرين للشركات التي تجمع كل ما يتعلّق بِمستخدميها من معلومات تعريف شخصية، لتقوم بعدها باستخدامها بأرخص الوسائل المتاحة بحجة حمايتها وصونها. ومع ذلك، فإن واقعة “سيلسيوس” لا تندرج ضمن الحوادث التقليدية التي تتمحور حول تسرّب البيانات.
في الواقع، أعتقد أن الوثائق المؤلفة من 14 ألفاً و532 صفحة، والتي لا تتضمن تفاصيل تعريف – تزيد عن أسماء المستخدمين وأرقام تعريف محافظ التشفير وأنواع المعاملات والمبالغ التي تنطوي عليها والخدمات التي استخدمها العميل وأنواع وكميات الرموز المميزة التي تم الاحتفاظ بها – قد حققت مبتغاها كما يجب.
والحال أن مناصري الخصوصية يتسببون في إحداث بلبلة غير مجدية، بحيث أنهم يتجاهلون في انتقاداتهم تلك الصورة الأشمل. صحيح أن التفاصيل قد تكون خطيرة إذا ما وقعت في أيدي أشخاص يعرفون كيفية استغلالها. في المقابل، جميعنا يعلم أن السطو على تفاصيل مماثلة ليست بالمهمة الصعبة بعد الآن بأيّة حال. في الواقع، حدث في يوليو/تموز أن قامت “سيلسيروس” بالفعل بتسريب عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بالعملاء، وتبيّن لاحقاً أن ذلك إنما حدث عن طريق الخطأ.
ومع ذلك، إذا كانت المحكمة قد وافقت على شطب أسماء العملاء، حينها فقط لن يعلم أحد أن كبار المسؤولين في “سيلسيوس” قد قاموا بسحب ملايين الدولارات قببل إغلاق عمليات السحب أمام جميع المستخدمين.
ولعلّ جلّ ما يمكن استنباطه من وثائق المحكمة هو أنها توفر دليلًا ملموسًا على أن الافتقار إلى الخصوصية طالما شكّل ركيزة البنية التجارية التي تقوم عليها “سيلسيوس”.
إلى ذلك، توضح الوثائق إلى أي مدى ذهبت الشركة لإحداث تلاعبات داخل النظام، مما يفسّر سبب قيام “سيلسيوس” باجتِناب الامتثال للتشريعات المصرفية التي تنضوي تحت لوائها معظم المصارف. ارتأت الشركة توصيف عملائها على أنهم دائنون، بدلاً من مودعين، لِتسلبهم في نهاية المطاف الحماية التي الممنوحة بموجب قوانين السرية المصرفية، وتكشف ملفات الديون المترتبة عليهم أمام العلن.
وبحسب تقارير صحفية عدّة، طلبت “سيلسيوس” من المحكمة الإذن بشطب أسماء وعناوين مستخدميها. وهو المطلب الذي عارضته المحكمة بشدّة. وتمثّل ذلك من خلال عضو مجلس الأمناء الأميركي ويليام هارينجتون الذي شدّد أن عملية شطب الأسماء ستشكل تداعيات سلبية غير مسبوقة على صعيد إجراءات الإفلاس في المستقبل، ولن يشمل ذلك مجال التشفير فحسب، بل سَينسحب على القطاعات كافة.
برأيي الشخصي، هناك عاملان أساسيان يمكن استِخلاصهما من خلال الوثائق المذكورة، وهي تفاصيل جرى إغفالها بطريقة ما وسط كل الضجيج الذي أثير حول مسألة انتهاك الخصوصية. في المقام الأول، يوضح المستند المخاطر التي تنطوي عليها خدمات التشفير المركزية، وكيف تتعارض مع جميع مبادئ النظام البيئي للتمويل اللامركزي الذي يُزعم أن الشركة تعمل وفقها.
ثانيًا، تساعد هذه القضية على تجديد الدعوة إلى ضرورة إخضاع كيانات مماثلة لتشريعات صارمة تشبه تلك التي يمتثل إليها القطاع المالي التقليدي. ليس من الصواب استخدام إفصاحات الدائنين كحلول بديلة كما هو الحال مع “سيلسيوس”.
بناءً على كل ما سبق، ربّما حان الوقت لأن يضع المشرّعون تنظيمات أنسَب وأكثر منطقية لحماية المتداولين بالعملات المشفرة.