نمو الوظائف في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً… هذا الخبر إيجابي ومفرح بالنسبة الى الأميركيين الذين يواجهون أسعاراً مرتفعة في كل شيء، لكنه ليس كذلك بالنسبة الى الاحتياطي الفدرالي الذي يكافح من أجل فرملة ارتفاعات معدلات التضخم التي بلغت أعلى مستوياتها منذ اكثر من 40 عاماً.
يوم الجمعة، أعلنت وزارة العمل الأميركية في تقريرها الشهري الذي يُراقَب عن كثب، أن عدد الوظائف نما بمقدار 315 ألف وظيفة أغسطس/آب، رغم أن أرباب العمل الأميركيين أبطأوا وتيرة التوظيف. إلا أن معدلات البطالة ارتفعت مجدداً.
أرقام وزارة العمل تظهر أن سوق العمل لا تزال صلبة. صحيح أن نمو الوظائف تباطأ في أغسطس/ آب عن الشهر الذي سبقه (526 ألف وظيفة) لكنه ظل ثابتاً، ولا يزال يمثل وتيرة نمو قوية. وفي المقابل، فإن ارتفاع أسعار الفائدة والخوف من الركود المحتمل يدفعان الشركات إلى التراجع عن التوظيف.
وارتفع معدل البطالة إلى 3.7 في المئة من أدنى مستوى له في نصف قرن بلغ 3.5 في المئة في يوليو/تموز. وجاء الارتفاع جنباً إلى جنب مع زيادة كبيرة في حجم القوة العاملة (قفز إلى 62.4 في المئة الشهر الماضي) – وهو علامة على أن ارتفاع الأجور ووفرة فرص العمل والوباء يدفع المزيد من الناس للبحث عن وظائف.
منذ أشهر، ظل الاقتصاديون يقولون إنه من المرجح أن يتباطأ نمو الوظائف مع تراجع الاقتصاد عن ازدهار العام الماضي، ومع ارتفاع تكاليف الاقتراض التي تجعل من الصعب على الشركات التوسع. لكن، بدلاً من ذلك، ظل سوق العمل حاداً للغاية حتى مع تحول أجزاء أخرى من الاقتصاد إلى الانخفاض الحاد.
نمو الأجور
أظهرت البيانات أن الأجور استمرت في الارتفاع في أغسطس/آب. إذ ارتفع متوسط الأجر في الساعة 10 سنتات إضافية، أو 0.3 في المئة وصولا إلى 32.26 دولاراً. وخلال الأشهر الإثني عشر الماضية، زادت أجور العمال بنسبة 5.2 في المئة.
مجلس الاحتياطي الفدرالي ليس سعيداً بذلك. فمن أجل محاربة التضخم، هناك حاجة الى تهدئة وتيرة نمو الاقتصاد. لكن الأجور تفعل عكس ذلك. ورفع الأجور يدفع الشركات إلى أن تنقل تكاليف العمالة المرتفعة إلى المستهلكين، وهذا بدوره يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار.
هذه الدوّامة التضخمية هي ما يريد الاحتياطي الفدرالي “سحقها”. من هنا يمكن فهم الاهتمام الخاص الذي يوليه بالنسبة الى مسألة نمو الأجور. فإذا استمرت وتيرة نمو هذا البند بطريقة متسارعة، سيكون لدى المصرف المركزي الأميركي عندها المزيد من الحجج لرفع أسعار الفائدة بقوة.
ويرى العديد من المحللين الأميركيين أن الأجور هي المحرك المهيمن للتضخم في المستقبل، وأن الطريقة الوحيدة للوصول إلى هدف الاحتياطي الفدرالي المتمثل في معدل تضخم بنسبة 2 في المئة، هي تسجيل تباطؤ في نمو الأجور.
في الأسابيع التي أعقبت إعلان الوظائف لشهر يوليو/تموز، اتخذ مسؤولو الاحتياطي الفدرالي موقفاً أكثر تشدداً، قائلين إن رفع أسعار الفائدة سيستمر حتى ينخفض التضخم وحذروا من “الألم” الاقتصادي المقبل.
واستشهد رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول بقوة سوق العمل كسبب للقلق بشأن التضخم في خطابه الذي ألقاه في جاكسون هول الأسبوع الماضي. وقال: “سوق العمل قوي بشكل خاص، لكن من الواضح أنه غير متوازن، حيث يتجاوز الطلب على العمال بشكل كبير المعروض من العمال المتاحين”.
وبعد الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفدرالي في يوليو/تموز، حيث رفع المصرف المركزي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، أبلغ باول “سي أن أن” أنه كان يراقب عن كثب نمو الأجور. وقال إن هدفه النهائي هو خفض التضخم وتحقيق “هبوط لا يتطلب زيادة كبيرة في البطالة”.
في الخلاصة، قبل صدور تقرير الوظائف الاسبوع الماضي، كانت التوقعات تشير الى ان الاحتياطي الفدرالي سيزيد سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه المقبل. لكن بعد نشر التقرير، خفّف المستثمرون توقعاتهم بشأن حجم الزيادة في سعر الفائدة الذي سيختاره الاحتياطي الفدرالي في اجتماعه في العشرين من الشهر الجاري، وهو الذي قال سابقاً إن قراراته سيبنيها ارتباطاً بتطور البيانات الاقتصادية.
ومن بين البيانات المهمة التي يُنتظر صدورها والتي ترسم مسار قرارات المصرف المركزي الأميركي، أرقام التضخم عن شهر أغسطس/آب والتي ينتظر صدورها في النصف الاول من الشهر الجاري، حيث ستكون عاملاً رئيسياً في تحديد المعدل الجديد للفائدة.