للشهر الخامس والعشرين على التوالي، سجل لبنان معدل تضخم ثلاثي الأرقام، في ظل استمرار أزمة اقتصادية عميقة وخلافات سياسية تعطّل تشكيل حكومة بعد أربعة اشهر من الانتخابات النيابية، ومع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية.
فالبيانات التي أصدرتها إدارة الاحصاء المركزي أشارت إلى أن التضخم ارتفع إلى 168.45 في المئة في يوليو/تموز على أساس سنوي، فيما ارتفع المؤشر بنسبة 7.4 في المئة من يونيو/حزيران 2022.
كما هو الحال في الأشهر السابقة، جاء ارتفاع التضخم نتيجة غياب الرقابة على أسعار التجزئة، واستمرار تدهور الليرة مقابل الدولار وسط أسعار صرف متعددة، والإلغاء التدريجي للدعم الذي كبّد الخزينة مليارات من الدولارات نتيجة تهريب البضائع الى الدول المجاورة.
وقفزت تكاليف المياه والكهرباء والغاز بنسبة 460.5 في المئة في عام، كما ارتفعت أسعار النقل بنسبة 353 في المئة، والنفقات الصحية 284 في المئة. فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 240 في المئة.
لا سقف لارتفاعات التضخم
ولن يكون هناك سقف محدد لقفزات معدلات التضخم المتسارعة، مع “رمي” اجراءات غير مدروسة التداعيات كالدولار الجمركي مثلاً الذي لم يتم التوافق عليه بعد بسبب الخلافات بين الحكومة ومجلس النواب والهيئات الاقتصادية على رقم سعر الصرف الذي يجب اعتماده وكونه لم يأت من ضمن سلة اصلاحية متكاملة.
والدولار الجمركي هو ما يدفعه المستورد من مبالغ جمركية مقابل الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحجوزة في الجمارك، وهو اليوم لا يزال يعتمد على أساس سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار، في حين أن سعر الصرف في منصة “صيرفة” الالكترونية التابعة لمصرف لبنان المركزي هو في حدود 27200 ليرة، وفي السوق الموازية في حدود 33 ألف ليرة. وتريد الحكومة أن ترفع سقف الدولار الجمركي الى 20 ألف ليرة من أجل أن تزيد ايراداتها الضعيفة جداً ودفع زيادات على الرواتب المتدنية لموظفي القطاع العام. فيما تعتقد بعض الكتل النيابية والهيئات الاقتصادية أن هذا الرقم مرتفع جداً وتدعو الى رفع تدريجي له.
ويتوقع أن يسجل معدل التضخم المزيد من الارتفاعات في أغسطس/آب، نتيجة خفض الدعم عن شراء مادة البنزين عبر منصة “صيرفة” بعد تراجع مصرف لبنان عن دعم تمويل هذه المادة، مما يستوجب على المستوردين التوجه الى السوق الموازية لتوفير الدولارات لقاء تكلفة الشحنات، وهو ما من شأنه أن يرفع سعر صرف الدولار ويغذي تسارع التضخم في الأسعار والخدمات.
معلوم أن مصرف لبنان كان يدعم بما نسبته 85 في المئة شراء المحروقات عبر منصة “صيرفة”، على أن تؤمن الشركات النسبة المتبقية، أي 15 في المئة، من السوق الموازية. لكن التوجه حالياً هو الغاء الدعم بشكل كلي عن شراء هذه المادة، في ظل استمرار استنزاف ما تبقى من احتياطات بالعملات الأجنبية لدى المصرف المركزي والتي بلغت حدود العشرة مليارات دولار بعدما كانت تخطت الأربعين ملياراً قبل العام 2019.
وسيكون لإلغاء الدعم تداعيات كبيرة على فاتورة النقل التي سترتفع بشكل كبير، وستنعكس على أسعار كل الخدمات، وهو ما سيترجم بالطبع تفاقماً في معدلات التضخم
كما أن توقف دعم شراء البنزين عبر “صيرفة” يعني أن الشركات المستورِدة لهذه المادة ستلجأ حكماً الى السوق الموازية لتأمين 200 مليون دولار التي كانت تحصل عليها من المنصة. وهذا سيفرض ضغطاً على السوق الموازية مع ارتفاع الطلب على العملة الخضراء، وهو ما سيؤي الى رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التي ستسجّل المزيد من التدهورات.
وفي المقابل، فإن الطلب على الليرة سيرتفع بشكل كبير لتأمين المبالغ الضرورية لشراء الدولار من السوق الموازية، وهو أمر سيصعب توفيره بسبب السقف الذي تفرضه المصارف على سحب الليرة، مما يهدد بحصول شحّ في مادة البنزين.
لبنان ثاني أعلى معدل تضخم في العالم!
ومن المتوقع أن يسجل لبنان ثاني أعلى معدل تضخم في العالم هذا العام، بعد السودان، وفقاً لشركة “فيتش سوليوشنز.”
وقالت فيتش إن التضخم في البلاد سيبلغ متوسطه 178 في المئة 2022 ارتفاعاً من نحو 155 في المئة العام الماضي.
وأعلنت أن هذا هو تعديل تصاعدي من توقعاتها السابقة بـ155.8 في المئة لهذا العام، بسبب الضغوط التضخمية القوية من تعديل رسوم الاتصالات والمرافئ والجمارك.
وتعتقد “فيتش” أن السلطات اللبنانية ستبدأ أيضًا في خفض دعم الخبز. “في الواقع، فإن الارتفاع الحاد في أسعار القمح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى جانب تراجع احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، سيجعل من الصعب على الحكومة دعم أسعار الخبز… نتوقع استمرار الاتجاه التصاعدي في أسعار الخبز ، مما يضيف إلى الضغوط التضخمية في النضف الثاني من العام 2022”.