معظم المؤشرات تشير إلى أن مصر باتت قاب قوسين من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهو ما أجهر به صراحة رئيس الوزراء المصي مصطفى مدبولي الإثنين حين قال إن “الحكومة في مرحلة الاتفاقات النهائية بشأن تمويل جديد من صندوق النقد الدولي”.
فهل هذا يعني أن مصر نفذت “الوصفة” المطلوبة منها قبل أن تنتقل الى مرحلة التوقيع النهائي؟
في 27 يوليو/تموز الماضي، قال صندوق النقد الدولي في بيان إن “هناك حاجة إلى إحراز تقدم حاسم في إصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد (المصري)، وتحسين الحوكمة، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الصدمات”. وأشار إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تعزز تنمية القطاع الخاص وتحد من دور الدولة.
بدأت مصر التفاوض مع صندوق النقد الدولي في مارس/آذار الماضي، عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية التي كان لها وقعها الكبير على الاقتصاد المصري. إذ أدت الى رفع أسعار السلع والطاقة وخاصة النفط والقمح الذي تعد مصر أكبر مستورد له.
لقد كانت هناك مطبات عديدة أعاقت، ولا تزال، التوصل الى اتفاق نهائي بعد أشهر من المفاوضات. تقول مصادر حكومية لـ”بلومبرغ” أن صندوق النقد الدولي يطالب المصرف المركزي المصري بإلغاء كل المبادرات ذات الفائدة المنخفضة، مثل القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ولقطاع السياحة والتمويل العقاري.
ويطالب الصندوق أيضاً بتوحيد سعر الفائدة على القروض المصرفية، في ظل معلومات سمربة أنه في مقابل تطبيق هذا البند قد يبدي مرونة في شرطه التحرير الكامل والحاد لسعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، بحيث يكون الخفض تدريجياً كما هو خلال الوضع الحالي.
وكانت وكالة “موديز” توقعت الثلاثاء أن يمضي المسؤولون في المصرف المركزي المصري بمسار تدريجي لخفض قيمة الجنيه، بدلاً من التعويم الحاد لتفادي زيادات جديدة في معدلات التضخم. وقالت في تقرير لها إن نجاح هذا المسار يعتمد على عوامل أخرى، من بينها التدفقات الخارجية المحتملة، والتمويل من دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى عوامل أخرى.
دعم الخبز
ومن أهم الاصلاحات التي ينادي بها صندوق النقد الدولي أيضاً هي مسألة رفع الدعم. فالصندوق لا يحبذ عادة الدعم العيني، كونه يهدر موارد الدولة.
ويشكل دعم الخبز الذي لم يتحرك سعره منذ الثمانينات أبرز البنود، ويطالب الصندوق برفعه. لكن الحكومة المصرية أعلنت أنها ترفض رفع الدعم عن رغيف الخبز. وقال وزير التموين المصري علي المصيلحي الثلاثاء إن “الوقت غير مناسب للمساس بملف دعم الخبز.. وصندوق النقد الدولي يتفهم مثل هذه الأمور لأن لديه بعداً آخر في كيفية الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي حتى لا يحدث عدم استقرار بسبب إجراءات معينة”. وشرح أن “مصر تكلفت أكثر من 23 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) إضافية بالموازنة العامة لدعم الخبز حفاظاً على الكميات المنتجة.
فهل تصريح المصيلحي يعني أن صندوق النقد غض الطرف في الوقت الراهن عن إلغاء الدعم عن أكثر مادة حيوية للمصريين؟
في يوليو/تموز الماضي، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته ألمانيا من الاوروبيين التوسط لمصر لدى صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض. وقال لهم إن لى الصندوق أن يعي أن الواقع الموجود في مصر لا يحتمل المعايير المعمول بها خلال هذه المرحلة وحتى تنتهي هذه الأزمة.
ولم يكشف حتى الان حجم الملغ الذي ستحصل عليه مصر من صندوق النقد الدولي. وكان وزير المالية محمد المعيط قال سابقاً إن حجم الدعم المطلوب أقل من 15 مليار دولار، ضمن إطار آلية تسهيلات تمويل موسّعة يجري التفاوض عليها بين الجانبين منذ أشهر. في حين تتحدث معلومات عن أن مصر قد تحصل على مبلغ أقل من 5 مليارات دولار.
فجوة التمويل
لكن فجوة التمويل في مصر تبلغ نحو 25 مليار دولار، منها 15 مليار دولار أقساط وديون مستحقة خلال العام الجاري، والباقي من العجز في ميزان المدفوعات، كما يشرح رئيس لجنة التخطيط والموازنة النيابية في مصر فخري الفقي في تصريح صحافي نشر اليوم الاربعاء. وأوضح أن فجوة التمويل هي الفرق بين المدخرات والاستثمارات المحتملة لمصر، والتي تمثل 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويمثل الناتج المحلي الإجمالي لمصر نحو 440 مليار دولار.
وقال إن مرونة سعر الصرف يتم التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي، وهو أمر مهم للتوصل إلى اتفاق للحصول على تمويل لسد فجوة التمويل، الأمر الذي يرفع التصنيف الائتماني لمصر، وهو ما يؤدي بدوره إلى دفع الائتمان الدولي.
وحدّد الفقي محوراً آخر للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وهو خروج الحكومة من بعض القطاعات لصالح القطاع الخاص. وبدأت الحكومةالمصرية بالفعل خطة لبيع الأصول، وكذلك أطلقت وثيقة للشراكة مع القطاع الخاص.
وأشار الفقي إلى أن الاستثمار في مصر يمثل نحو 16.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب الخطة والموازنة، مقابل 18 في المئة قبل الأزمة الحالية.