Share

إطفاء نار التضخم يُدخل الإقتصاد الأميركي في ركود

يلين لا ترى ركوداً حتمياً
إطفاء نار التضخم يُدخل الإقتصاد الأميركي في ركود
هل يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود؟

لماذا تتجه معظم التنبؤات الى أن الاقتصاد الأميركي سيدخل في براثن الركود، والذي ستكون له مفاعيله السلبية على الاقتصاد العالمي؟ وهل ستؤدي التدابير المتخذة من قبل الاحتياطي الفدرالي لاحتواء التضخم، إلى ركود اقتصادي؟

أسئلة كثيرة تطرح اليوم في ظل تنامي تكهنات المحللين والاقتصاديين والشركات الاستشارية بركود محتمل للاقتصاد الأميركي على رغم أن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قالت أمس إن الركود “غير حتمي”، مع إقرارها باستمرار ارتفاع الأسعار “إلى مستوى غير مقبول” خلال بقية العام الجاري.

وفي حال وقع الاقتصاد الأميركي في براثن الركود، فأي نوع من أنواعه؟

بداية، ما هو الركود؟

 

غالباً ما يتم تعريف الركود على أنه ربعين متتاليين (6 أشهر) من انكماش الاقتصاد بدلاً من نموه، ولكن مع الكثير من التحفظات. فمثلاً، استمر ركود جائحة كورونا شهرين فقط، وهي أقصر دورة مسجلة.

في الولايات المتحدة، يُعرّف المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، وهو منظمة أبحاث اقتصادية خاصة، الركودَ الاقتصادي على أنه “انخفاض حادّ في النشاط الاقتصادي يسود كافة مناحي الاقتصاد، ويستمر لعدة أشهر، وعادةً ما يظهر أثرُه في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، والدخل الحقيقي، والتوظيف، والإنتاج الصناعي، ومبيعات الجملة والتجزئة”.

وفي جميع أنحاء العالم تقريبًا، يستند الأكاديميون، وخبراء الاقتصاد، وصانعو السياسات، والشركات إلى تعريف المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية للتأريخ الدقيق لبداية الركود ونهايته.

ما هو “الركود الضحل” (Shallow Recession)؟

 

تكون فترات الركود في أشكال عديدة. يمكن أن تكون عميقة ولكن موجزة، مثل الركود الذي تسببت به الجائحة والذي استمر شهرين لكنه ألغى 22 مليون وظيفة ورفع معدل البطالة لفترة وجيزة إلى 14.7 في المئة.

كما يمكن أن تكون عميقة وذات أثر بالغ، مثل الركود العظيم.

ما هو ركود النمو؟

 

حين يتباطأ النمو الاقتصادي عن اتجاه نمو طويل الأجل للولايات المتحدة البالغ 1.5 إلى 2 نقطة مئوية سنوياً، لكنه لا ينكمش، بينما تزداد البطالة.

ما هو الرابط بين منحنى العائد المقلوب والركود؟

 

عندما يتجاوز سعر السوق للاقتراض قصير الأجل ذلك بالنسبة للقرض طويل الأجل، يُعرف باسم منحنى العائد المقلوب، وينظر إليه على أنه نذير ركود.

تاريخياً كان منحنى العائد ينقلب قبل اي ركود، وهو ما يحصل حيث الفجوة كبيرة بين عوائد سندات الخزانة لمدة عامين و 10 سنوات.

ما هي صلة السوق الهابطة (Bear market) بالركود ؟

 

أدت عمليات البيع المكثفة الأخيرة للأسهم إلى إطلاق الإنذارات.

تسعة من 12 سوقًا هابطة، أو تنخفض بأكثر من 20 في المئة، حدثت منذ عام 1948 مصحوبة بفترات ركود.

بين التضخم والركود

 

في العام الماضي، لم يكن صنّاع السياسة النقدية في الولايات المتحدة قلقين من تنامي معدلات التضخم. وكان رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول يصر على أنه “تضخم مؤقت” سيعود الى الهدف الذي حدده “الاحتياطي” بـ2 في المئة.

لكن تبيّن لاحقاً أنه غير مؤقت أبداً، حيث قفز الى مستويات قياسية لم يبلغها من اكثر من 40 عاماً ليسجل 8.6 في المئة في مايو/أيار. وهو ما استدعى تدخلاً أكثر تشدداً مما هو متوقع من المصرف المركزي الاميركي (ومن مصارف مركزية أخرى تعاني المشكلة نفسها في العالم) من أجل احتواء تنامي التضخم.

الدواء للجمم التضخم هو في زيادة معدلات الفائدة من أجل فرملة نمو ارتفاعه.

في اجتماعه الاخير في 15 يونيو/حزيران بعد صدور أرقام التضخم غير المتوقعة قرر الاحتياطي الفدرالي رفع الفائدة بمعدل 75 نقطة أساس، وذلك للمرة الاولى منذ العام 1994.

وكان لمحافظ الاحتياطي الفدرالي كريستوفر والر تصريح قوي اللهجة حين قال السبت إنه سيدعم مكافحة التضخم “مهما كلّف الأمر”، ما يعني زيادات مماثلة في الاجتماعات المقبلة للجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة (اجتماعها المقبل في 26 يوليو/تموز و27 منه).

لقد هدف الاحتياطي الفدرالي بسياسته النقدية المتشددة أن يحقق قدراً من الانكماش في الاستثمار وكذلك في الإنفاق، بما يؤدي إلى انخفاض الطلب وتوازنه مع العرض، وبالتالي هبوط الأسعار، والتضخم. بمعنى آخر، هو أدخل الاقتصاد في حالة من الركود لإطفاء نار التضخم، مبتعداً عن “الهبوط الناعم” الذي تحدث عنه في وقت سابق، أي حين يبدأ التضخم في التراجع مع رفع أسعار الفائدة ومن دون التضحية بالنمو الاقتصادي.

لكن واقع الحال أن درجة تشديد السياسة النقدية ستؤدي حتما إلى “هبوط شديد” سيتخذ شكل ركود وارتفاع في معدل البطالة.

في هذا الإطار، كتب الاقتصاديون فيليب كارلسون زليزاك، وبول شوارتز، ومارتن ريفز في “هارفرد بيزنس ريفيو” مقالاً تحت عنوان “الموازنة بين مخاطر التضخم والركود والركود التضخمي في الاقتصاد الأميركي”، أشاروا فيه إلى أن “معركة الاحتياطي الفدرالي ضد التضخم أدت إلى زيادة مخاطر الركود. واليوم، تتناوب مخاوف الاقتصاد الكلي بعيداً عن التضخم وتتجه نحو انكماش آخر. في حين أن فكرة أن الركود من شأنه أن يطفئ نيران التضخم مقنعة، إلا أنها ليست مضمونة”.

أي نوع من انواع الركود قد يستهدف الاقتصاد الأميركي؟

 

يتنبأ الاقتصاديون أن يقع الاقتصاد الأميركي في ركود ضحل حيث يتقلص فيه الاقتصاد بشكل هامشي فقط، ولفترة محدودة.

يقول مايكل يوشيكامي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Destination Wealth Management ، إن “الركود الضحل” هو “يقين افتراضي” في الربع الثالث. لكنه أشار في تصريح لـ”سي أن بي سي” أن “ذلك لا يعني بالضرورة أن المعاناة الاقتصادية طويلة الأمد أمر لا مفر منه”.

“هناك اعتقاد بأننا إذا رفعنا ما يكفي – فلنفترض أننا رفعنا 75 نقطة أساس ثم رفعنا بمقدار 75 نقطة أخرى – فعندئذ إذا كانت هناك مشكلة في الاقتصاد، إذا كان ركودًا ضحلًا، والذي أظن أنه سيكون في الربع الثالث، فلدى الاحتياطي الفدرالي بالفعل بعض المجال الآن للتراجع عن بعض هذه الزيادات في أسعار الفائدة”، أضاف يوشيكامي.

وتتوقع شركة يوشيكامي ركوداً ضحلاً في وقت لاحق من هذا العام قبل أن يخفّض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة العام المقبل من أجل إعادة تفعيل الاقتصاد بمجرد أن يصبح التضخم تحت السيطرة.

برأي يوشيكامي، فإن هذا سيمكّن الاقتصاد الأميركي من الخروج من الركود، وتحقيق نمو ذي مغزى وتجنب “الركود التضخمي”، وهي فترة من التضخم المرتفع، وتباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة.

نختم المقال بسؤال جوهري: ماذا لو لم تكفِ التدابير التي يتخذها الاحتياطي الفدرالي في كبح جماح التضخم؟ وماذا لو خرج عن السيطرة؟ فهل يرفع حينها صانعو السياسة النقدية معدل التضخم فوق الهدف المحدد؟ فلنراقب..