Share

إعادة النظر في مفهوم التثقيف المالي

المسار المستقبلي للجيل زد
إعادة النظر في مفهوم التثقيف المالي
إعادة النظر في مفهوم التثقيف المالي

على الرغم من سهولة الوصول إلى المعلومات المالية ووفرة الموارد عبر الإنترنت، يظهر اتجاه غير متوقع عندما يتعلق الأمر بمحو الأمية المالية للجيل زد. على خلاف التوقعات، تكشف الأبحاث أن الجيل زد يظهر أدنى مستوى من محو الأمية المالية بين جميع الأجيال السابقة.

في المقابل، فإن هذا الافتقار إلى المعرفة المالية ليس مفاجئًا على الإطلاق. بالنسبة للعديد من الشباب، تندرج محو الأمية المالية تحت مفهوم “عدم الكفاءة اللاواعية”. فهُم غير مدركين لما يجهلونه، ويفشلون في التعرف على الدور المحوري الذي تلعبه هذه المهارة في تشكيل مستقبلهم. على غرار الأجيال السابقة، غالبًا ما يتعثر الجيل زد عند اتحاذ قرارات مالية، ويتعلم هؤلاء بالتجربة من أخطاء قد تكون مكلفة. ومع ذلك، يكمن الاختلاف في الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي والتعقيد المتزايد للمشهد المالي، مما يضخم المخاطر التي قد يصطدم بها هذا الجيل.

لسوء الحظ، تتفاقم المشكلة بسبب عدم كفاية توافر برامج التثقيف المالي. يجعل ذلك الجيل زد غير مهيأ لإدراك ماهية الخيارات المالية واتخاذ قرارات مستنيرة. وبالتالي، تصبح هذه الفئة عرضة للوقوع في دائرة الديون، وتستحيل أهدافًا لعمليات الاحتيال الاستثمارية. ويجد هؤلاء أنفسهم في وضع غير مؤات عندما يتعلق الأمر ببناء الثروات.

مارلين بينتو

سلسلة من النتائج السلبية

وللأسف، من غير المرجح أن تتغير الحالة الراهنة لأسباب عدة. أحد أبرز العوامل هو عبء العمل المتزايد الذي يواجهه طلاب الجيل زد، مما أدى إلى ارتفاع مستويات التوتر، لا سيما خلال فترة الامتحانات واختبارات القبول. غالبًا ما يجعلهم هذا الضغط الشديد يتبنون رؤية نفقية ضيقة، بحيث يمنحون الأولوية لمساعيهم الأكاديمية مع إهمال الجوانب الحياتية الأخرى خارج هذا النطاق الضيق.

يعد التثقيف المالي أحد الجوانب التي غالبًا ما تقع خارج نطاق رؤية “النفق” هذه. نظرًا لعدم وجود حاجة أو فائدة فورية لها، يميل الكثيرون إلى تجاهل التثقيف المالي إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، مع انهماكهم في التفكير في الأداء الأكاديمي لأطفالهم، يعزز أولياء الأمور عن غير قصد رؤية النفق هذه من خلال التركيز بشكل أكبر على المناهج المدرسية الحالية. وغالبًا ما تجدهم لا يعيرون اهتماماً كافياً للمهارات الحياتية المهمة التي يشتمل بعضها على التوعية والتثقيف المالي.

على الرغم من اعتراف الأهل بأهمية التثقيف المالي، غالبًا ما يفضل الشباب التمتع بوقتهم على الشخصي على حساب الالتزام بالإجراءات الإضافية التي تتطلبها هذه العملية. كما يبذلون جلّ جهودهم لتجنب التسجيل في مثل هذه البرامج. نتيجة لذلك، يختار العديد من الأولياء عدم الانخراط في مواقف المواجهة، منكفئين عن حث أبنائهم على تحقيق التثقيف المالي.

من غير المرجح أن يتم إدماج التثقيف المالي في المناهج الدراسية بشكل طوعي، ويرجع ذلك أساسًا إلى القيود المتعلقة بالوقت والموارد والميزانية. حتى في الحالات التي يتم فيها تضمينه في بعض المدارس، تعتمد فعالية هذه البرامج بشكل كبير على نهج التدريس المستخدم وأهمية المحتوى وتناسبه. لسوء الحظ، يتعثر العديد من البرامج الحالية في هذه الجوانب، مما يؤدي إلى إحداث تأثيرات ضئيلة على حياة الطلاب.

ومما يُؤسف له أن التثقيف المالي يقوم حالياً بإهدار فرصة بارزة لإحداث تأثير هائل على حياة الشباب. فضلاً عن أن تطبيقه لا يتماشى مع الغرض المتوخى منه، مما يؤدي إلى عدم وجود أثر ذي مغزى.

إشارة على مخاطر كبيرة 

حول العالم، يسعى عدد متزايد من المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا المالية إلى سدّ الفجوة الكبيرة على مستوى التثقيف المالي. في المقابل، ينشأ تضارب مصالح مثير للقلق عندما يتلقى الجيل زد تثقيفاُ ماليًا من نفس الكيانات التي ينبغي عليهم التعامل معها بحذر. يبعث ذلك على الريبة ويمثل إشارة خطر لا ينبغي التهاون بشأنها.

وعلاوة على ذلك، فإن فعالية هذه الجهود موضع شك في أحسن الأحوال. من الصعب تصديق أن عددًا قليلاً من الأدلة التوضيحية العادية للطلاب فضلا عن شرائح ال PowerPoint غير الملهمة، مصحوبة بتعليق صوتي متعال ضمن خانة بعنوان “التثقيف المالي” على أحد مواقع الويب، ستؤثر حقًا على السلوك والعقلية المالية للشباب. هل يتوقع أحدهم أن يقوم هؤلاء بتكريس حياتهم المزدحمة والمثيرة للاستماع إلى محاضرات رتيبة حول مواضيع مثل الفائدة المركبة؟ احتمال حدوث ذلك بعيد الاحتمال للغاية.

تفتقر هذه المبادرات التعليمية إلى المساءلة والتفاعل والألفة، مما يجعل من غير المرجح أن تكون بمثابة صيغة سحرية لتحقيق تغيير فعال ودائم في المفاهيم والعادات المالية لجيل الشباب.

المؤثرون الماليون

في المشهد الرقمي اليوم، غالبًا ما يدّعي المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي تثقيف جيل الشباب حول الشؤون المالية من خلال ريلز (reels) انستغرام الجاذبة ومقاطع الفيديو السريعة عبر تيكتوك. مع ذلك، فإن ما يبعث على القلق أن تأثيرهم ليس إيجابياً على الدوام، بحيث أنهم يروجون غالبا لمنتجات قد لا يمتلكون فهمًا شاملاً لها ضمن منشورات مدعومة من قبل شركات مالية معينة.

حتى عندما لا يتم رعاية محتوى هؤلاء المؤثرين، فإنهم يسارعون إلى تقديم إخلاء مسؤولية، مشيرين إلى أن نصائحهم ليست مالية بطبيعتها، مما يثير مخاوف بشأن موثوقية المعلومات التي يقومون بنشرها أمام العامة.

لسوء الحظ، لا تحرك الغالبية ساكنا في هذا الإطار، مبررين هذا النهج باعتباره أفضل أسلوب لإشراك الشباب الذين لا يستطيعون تركيز انتباههم لفترات طويلة. ومع ذلك، فإن ما يفشلون في مراعاته هو أن العديد من هؤلاء “المؤثرين” يفتقرون إلى التدريب المناسب ولا يخضعون لأي تشريعات وأنظمة في هذا الإطار. ونتيجةً لذلك، قد لا يكونون أنسب قدوة للشباب ممّن يسعون للحصول على إرشادات مالية موثوقة.

المسار المستقبلي

يمثلFin-ED UNITED 2023  نتاجاً رائعاً للتعاون الجماعي بين مختلف الجهات المعنية التي تقر وتعترف بالمزايا المتعددة لمحو الأمية المالية للأفراد والمجتمع والأمة ككل. وقد تضافرت جهود المؤسسات والسلطات التعليمية، والهيئات الحكومية، والمؤسسات المالية، وغيرها من الكيانات المؤسسية، بحيث جمعها تفانيها المشترك في تشكيل مستقبل مزدهر للجيل القادم.

من خلال تجميع الموارد وتبادل الخبرات وتسخير الشبكات واسعة النطاق، يتمثل هدفنا الجماعي في إحداث تحول جذري على مستوى التثقيف المالي للجيل القادم، مما يعزز في نهاية المطاف الاستدامة الاجتماعية. نؤمن معًا إيمانًا راسخًا بإنشاء مجتمع أكثر تمكينًا وأمانًا من الناحية المالية، مما ينعكس بالإفادة للصالح العام.

مارلين بينتو هي مؤسسة KFI Global

انقر هنا للاطلاع على المزيد حول الموضوعات المرتبطة بالمصارف والتمويل.