يواجه العالم باستمرار ثورات تقنية وشيكة قد تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة وإحداث تحوّلات نوعيّة. شهد قطاع الخدمات المالية تسارعًا هائلاً في الاتجاهات نحو الرقمنة، مما أحدث ثورة في آليات عمل الشركات المتخصصة في هذا المجال.
في العام 2022، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة “استراتيجية الاقتصاد الرقمي ”، والتي تهدف إلى زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي في البلاد من 9.7 في المئة إلى 19.4 في المئة في غضون 10 سنوات، مما يعزز مكانة الإمارات كمركز للاقتصاد الرقمي في المنطقة والعالم.
نظرًا لأن التوقعات الاقتصادية للإمارات لا تزال آخذة في التوسّع في المدى المنظور، فمن الواضح أن تأثيراتها الإيجابية ستستمرّ في التدفق على قطاع الخدمات المالية، الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصاد البلاد.
وبحسب وزارة الاقتصاد الإماراتية، يقود قطاع التقنية المالية في دولة الإمارات سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحيث من المتوقع أن تبلغ قيمته 2.5 مليار دولار في العام 2022. في هذا الإطار، يشير تقرير صادر عن “موردور إنتليجنس” إلى أن سوق التقنية المالية في الإمارات من المتوقع أن ينمو بنسبة 12 في المئة سنويًا حتى العام 2026. نظرًا لكونه واحداً من أكثر القطاعات تنافسية في العالم، فقد شهد قطاع التقنية المالية تحولًا كبيرًا، في ظل عوامل عديدة لعلّ أبرزها تغيير تفضيلات العملاء، والبيئة التنظيمية الصارمة، والتقدم التكنولوجي المستمر.
خلال الفترة المضطربة للوباء، فتحت الرقمنة أبوابًا جديدة لقطاع الخدمات المالية كما وَلعملائه. وفقًا لتقرير صادر عن Finder، تحتل دولة الإمارات المرتبة السادسة في انتشار الخدمات المصرفية الرقمية، حيث يمتلك حوالي 19 في المئة من العملاء حسابًا مصرفيًا رقميًا.
نظرًا لاستمرار بقاء التكنولوجيا في صلب الأعمال، يتطلع القطاع إلى التبني السريع للتقنيات الحديثة، بهدف زيادة الإنتاجية وتوفير خدمة العملاء والوظائف المطلوبة للعصر الرقمي.
تتناول الدكتورة جيلينا جانجوسيفيتش، الأستاذة المساعدة في جامعة هيريوت وات، حرم دبي الجامعي ورئيس قسم المحاسبة والاقتصاد والمالية بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة هيريوت وات دبي، موضوع التحول التقني في قطاع الخدمات المالية.
منصات الخبرة الرقمية
اعتمدت أبرز المصارف في دولة الإمارات، مثل بنك الإمارات دبي الوطني والمشرق، الحلول الرقمية، كما قامت بتسخير التكنولوجيا المصرفية عبر الهاتف المحمول لإنشاء وتقديم تجارب متكاملة ومحسّنة بسرعة وبدون عناء.
إقرأ المزيد: 8 تريليونات دولار حجم الخدمات المصرفية والمالية الرقمية في العالم في 2021
إلى ذلك، تسعى المؤسسات المالية لاعتماد طرق جديدة للتفاعل مع العملاء من خلال تقديم تجربة رقمية حديثة ترتكز على البوابات الإلكترونية أو التطبيقات أو التقنيات الغامرة مثل “الميتافيرس”. على سبيل المثال، خلال جيتكس 2022″، قدم بنك الإمارات دبي الوطني للزائرين فرصة فريدة لتجربة العالم الافتراضي من خلال تجارب غامرة تم اختيارها بعناية بناءً على شخصياتهم. وعليه، تلقّى الزوار تجربة أكثر ملاءمة وشخصية.
المدفوعات الرقمية
أدّت التطورات التكنولوجية الكبيرة في القطاع إلى تحول عميق في سلوكيات العملاء وتوقعاتهم فيما يتعلق بالخدمات المالية الرقمية. وتعدّ المدفوعات الرقمية في صميم هذا التحول. يعدّ سوق المدفوعات الرقمية أكبر قطاع من منتجات التقنية المالية، حيث يمثل أكثر من 80 في المئة من عائدات التقنية المالية العالمية.
مع احتضان المزيد من المستهلكين للهواتف الذكية والأجهزة المحمولة الأخرى، باتت المؤسسات المالية تركز بشكل متزايد على تطوير استراتيجيات الجوال أولاً وتقديم خدمات مُحسّنة لمستخدمي الأجهزة المحمولة. يشير استخدام أكواد QR أو النقر على الهاتف المحمول لإجراء دفعة إلى حدوث تحول قد يؤدي في النهاية إلى خلق مجتمع عالمي غير نقدي. إلى ذلك، وعلى خلاف العملات الرقمية، تكتسب الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) قبولًا على نطاق واسع كشكل من أشكال الدفع، كونها وسيلة لتحويل المبالغ المالية على نحو آمن. وفقًا لتقرير معلومات السوق حول الـ NFT للعام 2022، من المتوقع أن تزيد قيمة إنفاق هذه الرموز في الإمارات من 982 مليون دولار في العام 2022 لتصل إلى 4.77 مليارات دولار بحلول العام 2028.
الخدمات المالية المدمجة
حقق التمويل المدمج نمواً كبيراً داخل هذا القطاع، مدعومًا بزيادة الطلب على مدفوعات أكثر سلاسة وسهولة الوصول إلى الخدمات المالية. إنه يمثل تكامل الخدمات المالية مثل الإقراض أو معالجة الدفع أو التأمين في منصات الأعمال غير المالية.
تعدّ تطبيقات توصيل الطعام مثل Talabat و Noon أمثلة شائعة لخدمات الدفع المدمجة. تتيح هذه المنصات للمستخدمين إجراء مدفوعات مدمجة لعمليات الشراء دون التبديل بين التطبيقات. كما أطلق تطبيق Careem الذي يتخذ من الإمارات مقراً له، تأميناً مدمجاً لسائقيه وركابه. يساعد اعتماد التمويل المدمج المؤسسات على اعتماد طرق دفع متكاملة لتبقى ملائمة لجميع العملاء.
إلى ذلك، فإن تطور التمويل المدمج يحمل القدرة على الارتقاء بتجارب العملاء والتأثير على سلوكيات التجار والمستهلكين. وبالتالي، تتبنى شركات التقنية المالية التمويل المدمج لتضمين تجارب الدفع والتمويل في رحلة عميل واحدة سلسة ومريحة.
يتوجّب على شركات التمويل التقليدية أن تكون ماهرة في تسخير الابتكارات التقنية لتوليد القيمة وتشكيل المشهد التنافسي. يمكن أن يساهم استخدام التقنيات ورقمنة الخدمات المالية بشكل أكبر في زيادة وصول ملايين الأشخاص والمؤسسات إلى المنتجات المالية، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي.