تحوّلت الرياضة من “هواية” الى ركيزة أساسية في اقتصاد دول المنطقة وعنصر مهم في نمو ناتجها المحلي. وباتت معظم دول الخليج تبدي اهتمامًا كبيرًا في مجال الاستثمار الرياضي في إطار خططها لتنويع مصادر الدخل غير النفطية، ما عزز دورها عالميًا.
وتتوقع شركة PWC نمو قطاع الرياضة في الشرق الأوسط إلى نسبة 8.7 في المئة على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
فيما تعتبر المؤسسة البحثية The Atlantic Council في تقرير لها بهذا الخصوص، أنه في الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج إلى إيجاد سبل جديدة للاستثمار الأجنبي، ظهر الاستثمار في كرة القدم الأوروبية كاستراتيجية لإنجاز هذه المهمة.
وقالت إن هذه الاستثمارات تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الشبكات التجارية في الغرب، حيث تستعد دول الخليج لعالم ما بعد النفط.
وبحسب التقرير، فإنه “يبدو سوق كرة القدم الأوروبية أيضًا استثمارًا جيدًا: فقد زادت قيمة 32 ناديًا أوروبيًا بارزًا بنسبة 9 في المئة في عام 2019 ، ونمت عائدات التشغيل في سوق كرة القدم الأوروبية بنسبة 65 في المئة في ثماني سنوات فقط. يبدو أن دول الخليج تتقدم على المنحنى، حيث كانت تستثمر بكثافة في كرة القدم الأوروبية على مدار الثلاثة عشر عامًا الماضية بينما يستمر السوق في النمو بسرعة.”
استثمارات خليجية ضخمة
حققت دول الخليج من خلال استثماراتها الضخمة في قطاع الرياضة نجاحات اقتصادية كبيرة وعائدات مالية مهمة لاسيما مع تزايد أعداد المسافرين الذين ينتقلون للمشاركة في المباريات وإقامة شراكات قوية وعلاقات مع كبرى أندية العالم.
ويأتي الجزء الاكبر من الاستثمار في الصناعة الرياضية في السعودية والامارات وقطر في مجال كرة القدم العالمية، حيث خصصت ملايين الدولارات لامتلاك ورعاية أندية كرة القدم اوروبية كبيرة.
وأبرز الصفقات المبرمة هي مع أندية مثل نادي باريس سان جرمان الفرنسي، وفرق أرسنال، ومانشستر سيتي، وبورتسموث الانكليزية، وملقا وبرشلونة الاسبانيين، ميونيخ الألماني، باليرمو وآسي ميلان الإيطاليين وغيرها.
السعودية
تعتمد السعودية في رؤية 2030 على تنوع مصادر الدخل غير النفطية، الامر الذي دفعها الى تطوير استثماراتها، فتستهدف خلال الثماني سنوات المقبلة، استضافة الأًحداث العالمية الكبرى تحديداً، مثل دورة الألعاب الآسيوية، كأس العالم لكرة القدم، أولمبياد دولية، وبطولات عالمية أخرى في ألعاب رياضية مختلفة كالملاكمة، كرة المضرب، ورياضة المحركات.
الى جانب ذلك، عمدت المملكة الى السماح لمستثمري القطاع الخاص المحلي والأجنبي بالاستثمار في القطاع الرياضي، والحصول على تراخيص لإنشاء أندية ومؤسسات رياضة خاصة، وذلك للمرّة الأولى في المملكة.
ومؤخرًا، وقّعت شركتان استثماريتان تابعتان لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، اتفاقيات استراتيجية مع 4 أندية كرة قدم سعودية بقيمة تصل إلى 8 مليارات ريال.
الامارات
أما على صعيد دولة الامارت، فبعد أن عملت دبي لسنوات على الاستثمار بشكل استراتيجي في قطاع الرياضة، أصبحت اليوم مركزًا عالميًا للمشاريع والمرافق الرياضية واستضافة المناسبات الرياضية العالمية.
والى جانب استحواذ الامارات أندية أوروبية لكرة القدم ورعاية بعضها، تهتم الدولة بتطوير استثماراتها في مختلف مجالات الرياضة المختلفة. إذ أقامت مؤخرًا فعاليات الدورة السادسة والعشرين لـ كأس دبي العالمي للخيول، الذي أصبح حدثًا فريدًا ينتظره كل عشاق الفروسية على مستوى العالم، ويشهد منافسات قوية بين نُخَب مُلّاك الخيول والمدربين والفرسان حول العالم.
إضافة الى ذلك، تأخذ رياضة الجوجيتسو حيّزًا مهمًا من اهتمام الاماراتيين. إذ أعلنت شركة بالمز الرياضية، توقيعها عقداً بقيمة 78 مليون درهم إماراتي مع حكومة أبوظبي لتدريب الجوجيتسو وفنون الدفاع عن النفس لموظفي الهيئات الحكومية.
كما تهتم الامارات برياضة الغولف، حيث أقامت أبو ظبي بطولة “أبوظبي إتش إس بي سي للجولف” ضمن جولات رولكس الأربعة للبرنامج العالمي لجولة دي بي وورلد 2022.
أما لعبة “التنس” فتأخذ حيّزًا كبيرًا من الاهتمام الاماراتي، اذا أقيمت بطولة سوق دبي الحرة للتنس الـ30 ، في فبراير الماضي في استاد سوق دبي الحرة للتنس، بمشاركة أفضل لاعبي WTA و ATP في العالم.
وتجدر الاشارة الى ان دبي تستضيف نسخة 2022 من المؤتمر الدولي للمنشآت الرياضية من المؤتمرات الكبرى الذي يقام سنويا في قارات مختلفة.
قطر
بعد السعودية والامارات يأتي دور قطر حيث من المتوقع نمو اقتصادها هذا العام بنسب تتراوح بين 1.6 في المئة و2.9 في المئة، نتيجة استضافتها للمونديال الكروي العالمي.
وكانت تقديرات وزارة المالية تحدثت سابقاً عن أن الحكومة القطرية ستُنفق 200 مليار دولار حتى 2022 على بناء البنية التحتيّة وإنشاء وتطوير الملاعب.
وبحسب توقعات جهاز التخطيط والإحصاء القطري، هناك احتمال بنمو الأنشطة غير النفطية لاسيما تلك المرتبطة بقطاع السياحة، بنسب تتراوح بين 2.8 في المئة و4.7 في المئة خلال العام الجاري.
ويطمح المسؤولون في دولة قطر إلى جعل “الدوحة عاصمة للرياضة العالمية”، وفقاً لما جاء في “رؤية قطر الوطنية عام 2030″، وفي سبيل ذلك يمكن فهم حجم الاستثمارات القطرية في عالم الرياضة.
من جهة أخرى، وبموازاة امتلاكها شبكة قنوات “بي إن سبورت” وتوسعها في مختلف القارات، تركز قطر على الاستثمار المباشر في صناعة الرياضة، من خلال شراء الأندية العالمية ورعايتها بالإضافة إلى العلامات التجارية المتميزة ومختلف حقوق البث التلفزيوني .
كما تستثمر قطر في “لعبة التنس والاسكواتش” لتصبح من الوجهات الجديدة للبطولات، إذ أجريت في فبراير/ شباط الماضي منافسات النسخة الـ 30 من بطولة (قطر إكسون موبيل) المفتوحة للتنس للرجال ذات فئة الـ 250 نقطة، بمشاركة 32 لاعبا من نجوم اللعبة والمصنفين الأوائل على مستوى العالم.
ختاماً لا تقتصر أهمية الرياضة على الشق الاقتصادي فقط، انما هي أداة لتعزيز السلام والتنمية بأساليب تشمل الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحوار بين الحضارات. وهذا ما تشدد عليه دول الخليج.