كل الخطط والرؤى التي تضعها المملكة العربية السعودية تصب في هدف واحد هو التنويع الاقتصادي من ضمن رؤية 2030، وتقليل الاعتماد على مداخيل النفط كركيزة للازدهار الاقتصادي للسنوات المقبلة.
ومن شأن التنويع الذكي أن يضمن بأن تتمكن السعودية من تطوير اقتصادها بما يكفي لتبقى في القمة مع انتقال العالم إلى الطاقة النظيفة.
الواضح أن المملكة تحقق نجاحات على هذا الصعيد. إذ أظهر ترتيب التنافسية العالمية الأخير أنها أحزت تقدماً كبيراً في مسار التنويع الاقتصادي من خلال خلق قيمة مستدامة طويلة الأجل في الاقتصاد.
صحيح أن السعودية تواصل جني الأرباح من قطاع نفطها القوي، حيث أعلنت شركة أرامكو” المملوكة للدولة في أغسطس/آب الماضي عن أرباح فاقت التوقعات بكثير للربع الثاني من عام 2022، لكنها تركز على استخدام عائدات النفط لضخ الأموال في الصناعات الأخرى والاستثمار في قطاعات واعدة في إطار تنويع اقتصادها.
وهي سياسة ساعدت على تغذية الطفرة العقارية في البلاد وأنتجت نمواً بنسبة 5.4 في المئة في اقتصادها غير النفطي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يُسجل اقتصاد السعودية نسبة نمو تصل إلى 7.6 في المئة هذا العام؛ كأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصادات العالم، وارتفاع النمو غير النفطي في المملكة إلى 4.2 في المئة.
في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت السعودية عن فائض في الموازنة قدره 15 مليار دولار، مع توقع أن يصل إلى 80 مليار دولار في نهاية العام 2022. ويبدو انها مصممة على إنفاق هذه المبالغ على اتجاهات وقطاعات تزيد من نمو اقتصادها غير النفطي في المستقبل.
وكانت “أرامكو” أعلنت تحقيق أرباح قياسية بلغت 48.8 مليار دولار للربع الثاني من عام 2022، بزيادة 90 في المئة على أساس سنوي.
ومؤخراً، اتجه ذراع ” أرامكو” للاستثمار الجريء إلى الاستثمارات الدولية كجزء من السعي لتنويع الاقتصاد وجذب شركات التكنولوجيا العالمية الناشئة. إذ تقرر أن يستثمر مركز أرامكو لريادة الأعمال (واعد)، حوالي 100 مليون دولار هذا العام بعد إنفاق حوالي 50 مليون دولار على مدى السنوات التسع الماضية.
صندوق الاستثمارات العامة
ويعتبر صندوق الاستثمارات العامة ركيزة أساسية لتحقيق التنوع الاقتصادي. وهو بات في غضون خمس سنوات، مستثمراً دولياً رئيسياً. ويهدف إلى استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً داخل المملكة، وأسّس أكثر من 50 شركة جديدة تعمل في قطاعات عدة متنوعة.
ويتوقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن تزيد قيمة أصول الصندوق عن التريليوني دولار (من 620 مليار دولار حالياً) بحلول عام 2030، ما يجعله أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم.
ماذا قال صندوق النقد عن التنويع الاقتصادي في المملكة؟
في مؤتمر صحافي عقد مؤخرا لتقويم الاقتصاد السعودي في موازاة صدور تقرير المادة الرابعة، قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الى السعودية أمين ماتي إن للمملكة سنوات من الجهود في إطار التنويع الاقتصادي بدأت في العام 2000. وبين 2000 و2020، لوحظ انخفاض بنسبة 20 نقطة مئوية تقريبًا في الحصة المباشرة للنفط في الناتج المحلي الإجمالي، وفي حصة النفط في إجمالي تحصيل الإيرادات، وأقل قليلاً من حيث الصادرات.
يشرح ماتي إن هذا الأمر تسارع منذ العام 2016 2016 مع تنفيذ رؤية 2030. “لقد رأينا تجارة التجزئة والخدمات التي ازدادت ورأينا طفرة بعد كوفيد مع تعافي الاقتصاد بالكامل. وشهدنا ارتفاعاً في بعض هذه القطاعات، وزيادة في بعض قطاعات التصنيع”.
يضيف أن “التنويع سيأتي أيضًا مع الاستثمارات التي يتم إجراؤها اليوم لبعض هذه الصناعات. لذا فهي عملية استغرقت وقتًا وشهدنا التسارع على مدار السنوات الأربع الماضية. وقد تحدثت في وقت سابق عن الإيرادات غير النفطية، مما يعني أن لدينا أيضًا قطاعات أخرى من الاقتصاد تتطور، وهناك صناعة أخرى بدأت في الظهور، لكن ذلك سيستغرق وقتًا لتطويره بالكامل. وبالطبع، فإن سوق العقارات ينمو بسرعة كبيرة. لقد رأينا ذلك مع زيادة الرهون العقارية، ومع بقاء البناء مساهماً كبيراً في النمو”.
في الختام، لا شك أن المملكة العربية السعودية تتصرف بحكمة من خلال الاستفادة من عائدات النفط من خلال زيادة الإنتاج. فضلاً عن ضخ الأموال في التنويع الاقتصادي، مع توفير بعض الأموال في الوقت نفسه عندما تنخفض أسعار النفط في نهاية المطاف. ومع حدوث التحول الأخضر، من المرجح أن تحقق السعودية التنمية الاقتصادية الشاملة والمنشودة التي تحتاجها لبناء صناعات قوية وضمان الازدهار على المدى الطويل في عالم ما بعد النفط.