لا شك أن العام 2022 كان عاماً صعباً بالنسبة الى الصين التي ضربتها أزمة عقارية، حيث يعتبر هذا القطاع محركاً أساسياً للنمو. في حين أظهر تحديث البيانات الرسمية التي تم كشفها الثلاثاء أن الناتج المحلي الإجمالي للصين لعام 2021 كان أكبر بنحو 80 مليار دولار مما تم احتسابه سابقاً. وتعادل هذه الإضافة إجمالي الناتج المحلي لبلغاريا مثلاً في عام 2021.
ويواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضغوطًا شديدة من موجة غير مسبوقة من عدوى كوفيد التي تجتاح البلاد.
وقررت بكين الغاء الحجر الصحي للقادمين من الخارج بعد ثلاث سنوات من العزلة بسبب كوفيد.
وهو قرار أدخل البهجة الى قلوب الصينيين الذين تهافتوا الى شراء تذاكر السفر. إذ شهد موقع حجز الرحلات Tongcheng ارتفاعاً بنسبة 850 في المئة في عمليات البحث عبر الإنترنت وزيادة بعشرة أضعاف في طلب معلومات عن الحصول على التأشيرة.
وتظهر البيانات الجديدة الصادرة عن المكتب الوطني الصيني للإحصاء، أن اقتصاد البلاد نما بنسبة 8.4 في المئة في عام 2021 عن العام السابق، أعلى من 8.1 في المئة المعلن عنها في البداية.
وبحسب الأرقام المنقحة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 114.92 تريليون يوان (16.52 تريليون دولار) العام الماضي، بزيادة 556.7 مليار يوان (حوالي 80 مليار دولار) عن التقدير السابق.
وتعد المراجعات على التقديرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي شائعة في العديد من الاقتصادات، ويرجع ذلك أساساً إلى الكم الهائل من المعلومات المستخدمة في بناء البيانات. وقال المكتب الوطني للإحصاء الثلاثاء إن أكبر تعديل تصاعدي له كان في قطاع الخدمات.
وكانت الحكومة قد حددت سابقاً هدف النمو لهذا العام عند حوالي 5.5 في المئة، ولكن من غير المرجح بلوغه حيث تعرض الاقتصاد لضربة بسبب أشهر من الإغلاق وتراجع سوق الإسكان.
ويتوقع الاقتصاديون أن ينخفض النمو بين 2.8 في المئة و3.2 في المئة هذا العام، وهو أحد أدنى المستويات منذ عام 1976، عندما أنهت وفاة الزعيم السابق ماو تسي تونغ عقدًا من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية.
توقعات العام 2023
ولكن ماذا يحمل العام الجديد لثاني أكبر اقتصاد في العالم سيما وأن نمو الاقتصاد العالمي في 2023، يعتمد إلى حد كبير على أداء الاقتصاد الصيني؟
يصف مصرف “غولدمان ساكس” الرؤية الاقتصادية للصين خلال عام 2023 بأن “الربيع يأتي بعد الشتاء”.
ويتوقع “غولدمان ساكس” نمواً ضعيفا ًمع إعادة فتح الاقتصاد تدريجياً في بداية 2023 على أن يحقق تعافياً قوياص خلال النصف الثاني مع انتعاش الاستهلاك المحلي، ليصل معدل النمو السنوي إلى 4.5 في المئة بنهاية السنة، ونحو 5.3 في المئة خلال 2024.
من جهتها، رفعت “مورغان ستانلي” توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2023 إلى 5.4 في المئة من توقعاتها السابقة عند 5 في المئة.
وقال الاقتصاديون إن تجار العملات الأجنبية لديهم الآن حافز أكبر لتحويل الدولار الأميركي إلى اليوان الصيني، خاصة قبل العام الصيني الجديد عندما يحتاجون إلى دفع الأجور والمكافآت.
تتحول الحكومة الصينية أيضاً إلى إعطاء الأولوية للنمو الاقتصاد، وهو ركيزة أخرى وراء توقعات “مورغان ستانلي” المنقحة للتوقعات الاقتصادية للبلاد.
وقالت “مورغان ستانلي” “من وجهة نظرنا، يتخذ صانعو السياسة إجراءات متضافرة لرفع النمو عبر جميع الجبهات.. هذه هي المرة الأولى منذ عام 2019 التي تتماشى فيها السياسات الكلية المحلية وإدارة كوفيد لدعم انتعاش النمو، بدلاً من العمل كقوى تعويضية.”
وذكرت وكالة “رويترز” أن الأمة تعمل على حزمة تحفيز بقيمة تزيد عن 143 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات، والتي ستكون واحدة من أكبر حزم الحوافز المالية على الإطلاق.
تتوقع وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني من جهتها أن تستمر ملامح الائتمان السيادي في جميع أنحاء الصين الكبرى في الاستفادة من الاحتياطيات المالية الكبيرة، لكن توقعاتها الاقتصادية على المدى القريب لا تزال غامضة بسبب عدم اليقين بشأن تنفيذ التحسينات على سياسات “صفر كوفيد” وسياسات قطاع العقارات في البر الرئيسي، اضافة إلى تباطؤ النمو العالمي.
وتتوقع “فيتش” أن يتعافى النمو في البر الرئيسي للصين جزئيًا إلى 4.1 في المئة في عام 2023، من 2.8 في المئة في عام 2022، وكلاهما أقل بكثير من اتجاهات ما قبل الوباء.
في المقابل، أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، أنه “من المرجح جدا” خفض توقّعات نمو الاقتصاد الصيني للعامين الحالي والمقبل، إذ يتوقّع أن يفضي تخفيف قيود احتواء كوفيد إلى طفرة في الإصابات وصعوبات مرحلية.
ولكن جورجييفا قالت إنه “من المرجّح أن تتخطى الصين هذا الأمر في الربع الثاني من العام”، مضيفة “قد يكون هناك بعض التحسن على صعيد توقّعات النمو”.
وكان صندوق النقد الدولي قد تنبأ بنمو اقتصاد الصين في إطار الـ4.4 في المئة.
في الختام، كل الأنظار تتجه نحو الاقتصاد الصيني الذي سيقود انتعاشه في 2023 الى دفع النمو الاقتصادي العالمي صعوداً. فهل تصبح الصين مخرج النمو العالمي في 2023؟