Share

زخم إصدارات المنطقة يجذب مصارف الاستثمار الكبرى

فرص كثيرة وسط التحديات العالمية
زخم إصدارات المنطقة يجذب مصارف الاستثمار الكبرى
استقطاب مصارف الاستثمار

تشهد الخدمات المصرفية في الشرق الأوسط عموماً وفي منطقة الخليج خصوصاً انتعاشاً استثنائياً خلافاً لما يحصل في بقية دول العالم حيث كانت إدارة الثروات فيها صعبة العام الماضي بسبب عدم اليقين العالمي.

فهذه المنطقة تستقطب مصارف الاستثمار الأجنبية الخاصة التي تسعى إلى الحصول على حصة من كعكة الإصدارات التي تنفذ حالياً، ولاسيما الصكوك منها. ومن شأن استمرار الإصلاحات الهيكلية، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وازدهار نشاط الديون وسوق رأس المال، وإطلاق المشاريع الكبيرة، أن تدعم الأساسيات الاقتصادية، والتي بدورها تفتح المزيد من مجالات الأعمال لهذا النوع من مصارف الاستثمار للمجيء إلى المنطقة.

في تقديرات وكالة “ستاندرد أند بورز” أن إجمالي الإصدار العالمي من الصكوك سيتراوح بين 160 مليار دولار و170 ملياراً هذا العام، وهو أعلى من تقديراتها السابقة البالغة 150 مليار دولار. وتقول إن بعض المصدّرين الخليجيين جاهزون بالفعل، في انتظار الوقت المناسب لإطلاقها.

من هنا، فان عدداً من كبار المقرضين العالميين قرروا أن يكون لهم موطئء قدم في المنطقة وأن يؤسسوا فروعاً فيها، لاسيما في دبي والرياض، للاستحواذ على دور في المرحلة المقبلة باعتبار أن المنطقة سوف تكون مكاناً مهماً جداً لعمل أي مصرف خاص من الآن فصاعداً، في وقت تقوم الحكومات بإدراج شركات تابعة لها في الاسواق المالية المحلية أو في بيع جزء منها وفي الوقت الذي تقوم شركات خاصة بإصدارات صكوك كبيرة تفوق التوقعات.

ففي تقرير صادر عن المركز المالي الكويتي المعروف أيضًا باسم “المركز”، جمعت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي 3.5 مليارات دولار من خلال 12 طرحاً عاماً أولياً  خلال الربع الأول من عام 2023، حيث حصلت الإمارات على 91 في المئة من المبلغ الإجمالي.

فيما أشارت شركة “أرنست أند يونغ” للاستشارات في تقرير سابق لها هذا العام حول اتجاهات الاكتتاب العالمي، إلى أن أبوظبي وحدها استحوذت على 14 في المئة من جميع الشركات المدرجة في جميع أنحاء العالم في الربع الأول من عام 2023. وأضافت أن أسواق الأسهم الإماراتية جذبت أكثر من 3 مليارات دولار في عائدات الإدراج خلال الفترة، لتحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم.

وترى شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) ” أن السعودية باتت واحدة من أكثر الأسواق جاذبية للشركات العالمية التي تسعى إلى عمليات اندماج واستحواذ جديدة، وذلك بفعل الأهداف الطموحة لرؤية 2030 وزيادة تركيز الحكومة على تحسين القطاع الخاص.

وتستهدف المملكة زيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65 في المئة من مستوياته الحالية في الأربعينات.

كما أن مصر أنهت عقود بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 1.9 مليار دولار في إطار برنامج طرح عام أولي حكومي لتعزيز دور القطاع الخاص وحشد الاستثمار الأجنبي.

وكانت الحكومة المصرية أعلنت في وقت سابق من هذا العام أنها ستبيع حصصاً في 32 شركة مملوكة للدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص، لتلبية مطالب صندوق النقد الدولي قبل موافقته على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمصر في ديسمبر/كانون الأول.

واستغلت مصر سوق الصكوك للمرة الأولى في صفقة تم تسعيرها بطريقة مماثلة للسندات التقليدية. إذ باعت مصر  في فبراير (شباط) الماضي أول صكوك إسلامية سيادية في تاريخها بقيمة 1.5 مليار دولار، وبلغت قيمة الاكتتاب في الطرح حوالي 6.1 مليارات دولار، بمعدل تغطية أكثر من أربع مرات.

وكانت الاكتتابات العامة الأولية في الشرق الأوسط جمعت أكثر من 23 مليار دولار في عام 2022، وهي أعلى قيمة إجمالية للمنطقة بعد عام 2019، عندما طرحت “أرامكو ” السعودية في طرح بقيمة 29 مليار دولار.

وتتوقع “ستاندرد  أند بورز” المزيد من الزخم في سوق صكوك العملات الأجنبية في النصف الثاني من عام 2023. وتشير إلى أن “العديد من جهات الإصدار في الخليج يبحثون عن الفرص التي قد تقدمها السوق. كما أنهم يسعون للاستفادة من وضع أسعار الفائدة الحالي، على افتراض أن المصارف المركزية لم تنته بعد من التضخم وأن المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة قد تكون في الأفق”.

فائض يجذب الاستثمارات

لقد حققت دول مجلس التعاون الخليجي فائضاً بنسبة 3.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي عام 2022، هو الأول منذ العام 2014، وهي تقوم بعملية واسعة لتنويع اقتصاداتها تمهيداً لمستقبل بعيد عن النفط.

كما ساعد ارتفاع أسعار النفط البلدان على تدعيم الهوامش المالية الوقائية وتمويل أجندة التنويع الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: مصر تستعدّ لطرح أذون خزانة بقيمة 600 مليون يورو

ونمت السعودية  بنسبة 8.7 في المئة في عام 2022 – الأسرع بين دول مجموعة العشرين.

كما نما الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بنحو 7.6 في المئة العام الماضي ، وهو الأعلى منذ 11 عاماً.

وتستمر المنطقة في تحقيق معدلات نمو رغم الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما نسبته 2.9 في المئة وأن يتوسع إلى 3.5 في المئة في 2024.

وهو ما يعني أن المنطقة سوف تكون محط جذب للاستثمارات في المرحلة المقبلة حيث برز الشرق الأوسط نقطة مضيئة للطروحات العامة الأولية العام الماضي واستمر في هذا الوضع حتى الآن، مع إدراج عدة شركات في بورصات السعودية والإمارات في النصف الأول من العام.

وكانت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي انتعشت بقوة من التباطؤ الناجم عن فيروس كورونا، مدفوعةً بإجراءات التحفيز الحكومية، فضلاً عن الإنفاق المستمر على مشاريع البنية التحتية والتطورات الضخمة التي عززت النشاط الاقتصادي.

يعتقد “بنك أوف أميركا” أن رغبة المستثمرين الأجانب في الطروحات العامة الأولية في الشرق الأوسط ما زالت مستمرة. ويشدد على أن “المسار مشجع رغم أننا لا نتوقع موجة ضخمة في النصف الثاني. العديد من العمليات تركز بشكل أكبر على أوائل أو منتصف العام المقبل، بدلا من نهاية هذا العام”.

ويرى “بنك أوف أميركا” أن بعض الشركات في الشرق الأوسط “يساورها شعور جيد إزاء الثقة في التحول الهيكلي بالمنطقة، أي الالتزام في المنطقة بتطوير أسواق رأس المال والنهوض بها، والتزام الكيانات المحلية بإظهار الدعم المالي لها”.

الإصدارات والاستدامة

وإلى الصكوك التقليدية، تشهد المنطقة زخماً في الصكوك المرتبطة بالاستدامة أو ما بتعرف بالصكوك الخضراء الصكوك الخضراء لارتباطها بالطاقة المتجددة والأصول البيئية الأخرى. إذ هناك العديد من الفرص للصكوك الخضراء في خطط الطاقة الشمسية في دول الخليج والتي لديها أيضا إمكانات كبيرة للطاقة المتجددة من أجل التنمية المستدامة.

ولوحظ نمو هذا النوع من الصكوك بدرجة كبيرة مؤخراً وسط زياد الوعي بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة بين المصدّرين.

وقد ارتفع الحجم الإجمالي للصكوك المرتبطة بالاستدامة بنحو 50 في المئة في النصف الأول من عام 2023 مقارنة بعام 2022. ومن المتوقع إصدار أحجام أعلى حيث يلبي المصدرّون مطالب المستثمرين، فيما تسعى دول التمويل الإسلامي الأساسية إلى تقليل بصماتها الكربونية.

وفقا لتقديرات صندوق النقد العربي، بلغت القيمة الإجمالية لإصدارات الدول العربية من السندات والصكوك الخضراء المُرتبطة بالأنشطة المُستدامة سواء السيادية أو التي يطرحها القطاع الخاص، مقدار 5.5 مليارات دولار في عام 2022.

ومن المتوقع أن يلقي  مؤتمر كوب 28 المقبل في الإمارات مزيدًا من الضوء على الفرص التي يوفرها التمويل والصكوك الإسلامية لتمويل المبادرات المتعلقة بانتقال المناخ.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار المصارف والتمويل.