توقعات المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية تشي بأن إصدارات الصكوك الإسلامية ستحافظ على نموّها في العام 2022، وأن تبقى مصدر تمويل رئيسياً في أسواق التمويل الإسلامي.
لكن هذه التوقعات قد لا تتحقق مع الارتفاع المتوقع لأسعار الفائدة العالمية والذي سيجعل السيولة العالمية والإقليمية أكثر تكلفة، وفي ظل زيادة التعقيدات المتعلقة بالمعايير التنظيمية لإصدارات الصكوك، وبسبب تطورات متحور أوميكرون.
نمو الصكوك الإسلامية
فقد ارتفعت إصدرات الصكوك العالمية في العام 2021 بنسبة 36.1% لتسجل 252.3 مليار دولار، وفق ما جاء في تقرير وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني. و توقع التقرير استمرار هذا النمو في 2022. وكانت دول الخليج العربي إحدى أهم من يتعامل بها، وتصدرت المملكة العربية السعودية هذه الدول.
وهيمنت المصارف المركزية والحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف على الإصدارات على رغم الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا، و ارتفاع أسعار النفط.
وأصدرت الجهات الرئيسية المختصة في دول الخليج وماليزيا وإندونيسيا وتركيا وباكستان صكوكاً بقيمة إجمالية بلغت 230.2 مليار دولار في 2021، كما أصدرت جهات سيادية غير أساسية مثل المملكة المتحدة وجزر المالديف ونيجيريا سندات إسلامية.
أما أسباب توقع استمرار نمو هذا النوع من الإصدارات لاسيما في المنطقة العربية، هو تنامي شهية المستثمرين في الأدوات الاستثمارية الاسلامية، والتنوع في أهداف التمويل وأجندات تنمية التمويل الإسلامي.
لكن وكالة “إس آند بي غلوبال” للتصنيفات الائتمانية، رجحت تراجع حجم إصدارات الصكوك عالمياً خلال العام الحالي، وتوقعت أن يتراوح إجمالي الإصدارات بين 145-150 مليار دولار عام 2022، وذلك على افتراض بقاء أي اضطراب سلبي مرتبط بجائحة كورونا في البلدان الأساسية للتمويل الإسلامي تحت السيطرة.
دور الصكوك الإسلامية
كما هو معروف، فإن الصكوك هي أبرز إبداعات الهندسة المالية الإسلامية؛ حيث إنها أداة حشد مدخرات وأداة استثمار وتمويل، وأداة من أدوات إدارة السياسة النقدية وإدارة السيولة في المؤسسات المالية الإسلامية.
وتستخدم في تمويل عجز الموازنة وتمويل المشاريع التنموية والمشاريع الكبيرة، كما تستخدم في المصارف الإسلامية لتحسين نسبة كفاية رأس المال سواء من خلال الشريحة الأولى أو الشريحة الثانية من رأس المال التنظيمي.
وقد باتت الصكوك الإسلامية تُمثل أحد الملامح الرئيسية لتوسع الصيرفة الإسلامية، ليس في الدول الإسلامية فحسب، بل في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية التي بادرت حكوماتها بإستخدام هذه الأداة، للحصول على ما تحتاجه من تمويلات من الأسواق المالية.
إصدارات الصكوك الخليجية
ووفق المعطيات، نجح عدد من الشركات من دول مجلس التعاون الخليجي في إصدار صكوك العام الماضي لتأمين التمويل مستفيدة من المعدلات المنخفضة للفائدة عالمياً. فجمعت “أرامكو” السعودية مثلاً، 6 مليارات دولار من خلال طرح صكوك للمرة الأولى في يونيو/حزيران الماضي، في حين جمعت “أكوا باور” السعودية أيضاً 746 مليون دولار.
وأنهى مصرف الراجحي السعودي، أحد أكبر المصارف الإسلامية، طرح صكوك من الشريحة الأولى مقوّمة بالريال السعودي بمبلغ إجمالي قيمته 6.5 مليارات ريال.
كما أصدر مصرف أبوظبي الأول، وهو أكبر مصرف في الإمارات العربية المتحدة، صكوكاً اسلمية بقيمة 500 مليون دولار في يناير/كانون الثاني الماضي. أما مصرف وربة الكويتي فنجح في إصدار صكوك بقيمة 250 مليون دولار.
وقد صنفت وكالة “موديز” السعودية أكبر مُصدر للصكوك الإسلامية في الخليج، وقالت إن المملكة ستبقى أكبر مُصدر بين دول الخليج للصكوك الإسلامية، تليها الكويت. وهناك توقعات بأن يساهم تنفيذ مشاريع التحول الاقتصادي مثل “رؤية السعودية 2030” في تعزيز إصدار الصكوك.
وتجهز مصر لطرح أول صكوك سيادية لتمويل المشاريع التنموية، وذلك لاستقطاب شريحة جديدة من المستثمرين العرب والأجانب، خاصة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا، ممن يفضلون المعاملات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية،
هل سيستمر الزخم؟
على رغم هذه الايجابية المتوقعة في إصدارات الصكوك، لا بد من طرح التساؤلات التالية:
- هل ستواصل الصكوك زخمها في ظل الارتفاع المتوقع لأسعار الفائدة العالمية والذي سيجعل السيولة العالمية والإقليمية أكثر تكلفة؟
فمصرف الاحتياطي الفدرالي سيعلن عن زيادة قريبة (مرجحة في مارس/آذار) لأسعار الفائدة بعدما بلغت معدلات التضخم في الولايات المتحدة مستويات مرتفعة جداً وصلت الى حدود الـ7% نهاية العام الماضي. ومن المتوقع أن تكر سبحة الزيادات في العام الجاري قد تصل الى ثلاث مرات أو أربع وربما أكثر في إطار جهود “الفدرالي” لاحتواء التضخم.
هذا الأمر ستستتبعه حكماً زيادة مماثلة في أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي نظراً لارتباط عملتها بالدولار الأميركي ومن ضمن سياساتها لجم التضخم.
وهو ما قاله بوضوح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال إطلاق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
فهو صرّح قائلاً إن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تحتاج إلى رفع الفائدة لمواجهة موجة التضخم، موضحاً أن عملية التغيير في سياسة الفوائد العالمية سيكون لها تأثير على الدول الناشئة التي تحتاج إلى تدفق الأموال.
- هل سيؤدي ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاح وتشديد الرقابة على الإنفاق إلى تقليص حاجات التمويل في بعض البلدان الأساسية للتمويل الإسلامي؟
- هل سيجعل تطبيق المعيار 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) الذي تبنّته حتى الآن 20 دولة، عملية إصدار الصكوك أكثر تعقيداً ما من شأنه أن يثبط عزيمة المُصْدِّرين والمستثمرين؟
المعيار الشرعي 59
المعيار الشرعي 59 غيّر المتطلبات حول “النسبة الملموسة” الخاصة بهياكل الديون للصكوك لتصبح 49% كأصول غير ملموسة وأكثر من 51% كأصول ملموسة من القيمة الإجمالية للصكوك بدلاً من 33%. ومع اعتماد المعيار 59، أصبح الامتثال التزاماً طوال فترة طرح الصكوك. وفي حال عدم الامتثال لنسبة الأصول الملموسة، فإنه عندها ستضطر جهة الإصدار الى تسييل الصكوك بشكل مبكر وإلغاء إدراجها.
وإلى ما تقدم، فإن خطراً كبيراً يتربص بسوق الصكوك في ظل حالة عدم اليقين التي تحيط بمتحور أوميكرون الذي قد يؤدي إلى إبطاء أداء من جديد في هذه السوق.