Share

حضرّوا أنفسكم لارتفاع الفوائد في العام ٢٠٢٢

كيف سيؤثر ارتفاع اسعار الفائدة على حياتك؟
حضرّوا أنفسكم لارتفاع الفوائد في العام ٢٠٢٢
رويترز

العالم يتحضر لارتفاع الفوائد في العام 2022, ماذا يعني ذلك لك على المستوى الشخصي؟ 

من شبه المؤكد ان الجميع حول العالم قد بات يعلم معنى كلمة تضخم الأسعار او التضخم المتسارع للأسعار؛ وإذا لم تسمع عن هذه المصطلحات وما تعنيه بعد كل هذه الفترة الماضية وخصوصاً خلال فترة جائحة كورونا، فباختصار شديد هي تعني ارتفاع الأسعار. أي أسعار تحديداً؟ كل شيء تقريباً: من أصغر شيء من الممكن ان تشتريه يومياً ككوب القهوة الصباحي وصولاً إلى أسعار المنازل او أكثر من ذلك. 

هذه المصطلحات ستبقى معنا خلال الفترة المقبلة ولا أتحدث هنا عن بضعة أسابيع أو أشهر، بل عن سنوات، وكل ذلك يعود الى جائحة كورونا التي انتشرت عالميا بشكل مفاجئ ولم يكن أحد ليتخيل ان العالم سيدخل في هذه المرحلة بتاتاً. وبالطبع فإن تأثير الجائحة على الاقتصاد العالمي لن يكون قصير الاجل ايضاً. بل ستترك هذه الجائحة أثراً كبيرا/ً على الاقتصاد العالمي والحياة اليومية للأفراد، وقد بدأت كتب التاريخ بالفعل في تدوين هذه التداعيات. 

في هذه المقالة، سنتحدث عن الأسباب الرئيسية التي أدت الى ارتفاع التضخم بهذا الشكل، وسنحاول الشرح بشكل وافي ومبسط بقدر الإمكان، ولماذا على الجميع الانتباه خلال العام الجديد ٢٠٢٢، لأن ما قد يحدث خلال الأشهر المقبلة سيكون له أثر على حياتنا اليومية. 

لماذا ارتفعت معدلات التضخم خلال العام ٢٠٢١؟ 

فيما لو استطعنا تفسير وتحديد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم أو بمعنى اخر، إذا استطعنا معرفة أسباب ارتفاع أسعار السلع والبضائع وغيرها خلال العام ٢٠٢١، فقد يكون بمقدورنا ايضاً معرفة الفترة التي قد يستغرقها هذا الارتفاع وإلى متى سيستمر ومن الممكن ان يستمر طويلاً، وما الذي سيقوم به صناع السياسات المالية حيال هذا الامر، وما يجب ان نقوم به على المستوى الشخصي ايضاً. 

إنّ الارتفاعات الأخيرة في أسعار كافة البضائع حول العالم دون استثناء يأتي بسبب التوقف الذي حصل في سلاسل التوريد، والتي شهدت انخفاضاً حاداً في البضائع بسبب الفترة التي توقفت فيها المصانع عن العمل والتي بدأت في الربع الأول من العام ٢٠٢٠، فضلاً عن الإجراءات والقيود التي اتخذتها دول العالم والتي مازالت سارية حتى يومنا هذا في بعض الدول. وهذه الارتفاعات في الأسعار ليس لها أية علاقة لا من قريب او من بعيد بدورة الأعمال الاعتيادية، بل هي نتيجة جائحة كورونا أولاً وأخيراً. 

تذبذب مؤشرات قياس أسعار المستهلكين – الصورة من الكاتب

إنّ استمرار شح الامدادات في سلاسل التوريد حول العالم في ظل تمادي الجائحة وتفشي المرض من جديد مع وجود العديد من السلالات الجديدة، فضلاً عن حالة عدم اليقين في سوق العمل، وارتفاع الطلب على البضائع من قبل الأشخاص العاديين بعد إعادة فتح الاقتصادات، كل هذه الأسباب كانت كافية لرفع معدلات الأسعار بشكل كبير. وباختصار فإنّ انخفاض الامدادات أو شح الإمدادات في ظل ارتفاع الطلب دوماً ما يؤدي الى ارتفاع أسعار السلع التي من الصعب الحصول عليها. 

وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، بنهاية ديسمبر/كانون أول ٢٠٢١، كان الاقتصاد العالمي لايزال يعاني من مشكلة شح الموظفين بشكل كبير وغير مبرر وهو الشيء الذي قد يساعد في انخفاض التضخم، وهنا نتحدث عن الموظفين الذين ينقلون البضائع، كسائقي الشاحنات وعمال الموانئ وعمال المناولة وحتى عمال الجمارك، والتي لغاية الان لم يستطع أحد الإجابة على سؤال المليون دولار: أين هم العمال الذين لازالوا ضمن العاطلين عن العمل؟ ولماذا لا يريدون العودة للعمل حتى الان، على الرغم منأان معظم الشركات حول العالم لديها العديد من الوظائف الشاغرة وبشكل مفرط في بعض المناطق؟ الوقت فقط كفيل بالإجابة على هذا السؤال.

وعليه، وإلى أن يتم حل هذه المشكلة تحديداً وتعود عجلة العمل إلى سائر عهدها، فمن الصعب جداً الحديث عن أن التضخم سيتباطأ في أي وقت قريب او يعود للتراجع قريباً. 

ما الذي سيقوم به صناع السياسات النقدية حول ارتفاع التضخم؟ 

بدأت البنوك المركزية حول العالم بالفعل بالتحرك لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم، ومن الممكن أن تكون هذه البنوك قد تأخرت قليلاً، لكن قد يكون هذا التحرك المتأخر الآن أفضل من عدم التحرك بتاتاً. فالعديد من البنوك المركزية حول العالم قد قامت برفع معدلات الفائدة من جديد وقامت بتقليص برامج التحفيز التي تم الإعلان عنها خلال بداية الجائحة. وهذا التغير السريع في سياسات البنوك المركزية لن يكون له تأثير على المدى القصير فقط، بل على المدى الطويل ايضاً شرط أن تستطيع هذه البنوك خفض برامج التحفيز بشكل أسرع ورفع أسعار الفائدة دون الضغط على معدلات النمو. لكننا كنا قد شهدنا هذا السيناريو في السابق، وفي كل مرة استطاعت فيها البنوك المركزية نوعاً ما من التعامل مع هذا الوضع، إلا ان هذه المرة قد تكون مختلفة تماماً عن سابقتها. 

توقعات بارتفاع أسعار الفائدة خلال العام ٢٠٢٢ – الصورة من الكاتب

خلال العام الجديد ٢٠٢٢، فإنّ البنوك المركزية ستستمر في الغالب برفع أسعار الفائدة. لكن السؤال الأهم يكمن هنا في مدى سرعة رفع أسعار الفائدة؟ والى أي مستويات من الممكن أن تصل؟ الإجابة السريعة لهذا السؤال هي أن ذلك يعتمد على معدلات التضخم والنمو في نفس الوقت. فحتى اللحظة، أصبحت معدلات التضخم اعلى من تلك التي تستهدفها البنوك المركزية بشكل كبير، حيث أن معظم البنوك المركزية تستهدف نسبة ٢٪ لمعدلات التضخم، بينما متوسط التضخم العامي للعام ٢٠٢١ هو أعلى من ذلك بكثير، وهو ما يعني ان البنوك المركزية بالمجمل أصبحت خلف المنحنى ومتأخرة في رفع أسعار الفائدة. 

وفي ظل استمرار مشكلات سلاسل التوريد حول العالم ومخاوف بشأن سلالة متحور كوفيد-١٩، أوميكرون، فضلاً عن إعلان العديد من الدول العودة إلى إجراءات الاغلاق الشامل، فهذا قد يعني أن معدلات التضخم لم تصل إلى القمة بعد، وقد تحتاج إلى مزيد من الوقت، وهو ما يرفع من مخاطر رفع أسعار الفوائد بشكل أسرع وأكبر خلال العام الجديد، حتى فيما لو أدى ذلك الى عودة الاقتصاد العالمي الى مرحلة الركود. وستركز البنوك المركزية جهودها على محاربة التضخم أكثر من محاربة تباطؤ النمو، وهذا هو الخطر الأكبر الذي يحمله العام الجديد ٢٠٢٢. 

إلى أي مدى من الممكن ان يؤثر ارتفاع التضخم علينا كأشخاص؟

السؤال الأول والأهم: هل لديك قروض او مديونية عالية؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فهنا عليك الانتباه جيداً من التطورات التي قد تحصل خلال الأشهر المقبلة، ويجب عليك أيضاً أن تبدأ بوضع خطة للتعامل مع ارتفاع تكلفة سداد هذه القروض والمديونية. إنّ ارتفاع معدلات الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة يعني أنك ستبدأ بدفع تكلفة أعلى على هذه القروض، سواء كانت قروض شخصية، أو بطاقات ائتمان، أو قروض الرهن العقاري، أو قروض الطلاب وأي نوع من المديونية. 

البعض قد يقول إنّ ارتفاع معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة بواقع ٢٪ ليس بالشيء الكبير بالفعل، لكن عليك هنا إعادة قراءة الشروط والأحكام للقروض او المديونية التي عليكك فهناك الكثير ما بين السطور وهو الشيء الذي قد يجعل الـ ٢٪ تصل لمئات الدولارات شهرياً. 

وارتفاع أسعار الفائدة يعني ارتفاع الفاتورة الشهرية لهذه القروض، وفيما لو قررت البنوك المركزية أن ترفع أسعار الفائدة بشكل أسرع وأكبر، فقد تتجاوز أسعار الفائدة ٢٪، وفيما لو تم ذلك بالفعل، فإن الاقتصاد سيواجه خطر عودة الركود من جديد. وفيما لو تم ذلك ايضاً، فهذا يعني أن الشركات ستضطر إلى تفعيل خطط إعادة الهيكلة وتخفيض النفقات لتستطيع التعامل مع الوضع الجديد قبل العودة إلى النمو من جديد. 

ما الذي يمكنك فعله حيال ارتفاع معدلات الفائدة المرتفعة؟ 

في البداية، إذا كان لديك قرض عقاري، فقد يكون من المناسب جداً الان ان تحاول إعادة جدولته الان قبل أن تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع خلال الاشهر القليلة المقبلة. وقد يكون الوقت الآن هو أفضل وقت لإعادة الجدولة وحتى إعادة التفاوض مع البنوك على نسب الفائدة الحالية. 

إذا كان باستطاعتك انهاء قروض بسيطة هنا وهناك، فقد يكون الآن هو الوقت المناسب لفعل ذلك، حتى لو كانت التكلفة اعلى بقليل مع السداد المبكر. اذهب للبنك ولطلب اجتماعاً مع مدير حساباتك واسأل عن نسبة الفائدة طويلة الاجل وما إذا كان باستطاعتك تغيير نسب الفائدة الحالية لديك الى فائدة طويلة الاجل، قد تكون هذه أيضاً إحدى الأمور الجدية خلال الفترة الحالية على الأقل. 

وإذا لم تكن مستثمراً في أسواق الأسهم، فقد يكون عليك إعادة النظر في هذا الموضوع بشكل معمق خلال الفترة المقبلة. خلال مثل هذه الفترات، ونتحدث هنا عن فترات ارتفاع معدلات الفائدة، فإن أسعار المواد الخام تبقى مستقرة نوعاً ما كما أنها تميل للانخفاض في فترة ما، وهذا يعني ايضاً بأن هامش ربح هذه الشركات سيرتفع خلال فترة قصيرة في ظل انخفاض تكلفة المواد الخام وتصنيعها. هذه الشركات التي يجب عليك النظر في شراء أسهمها خلال الفترة المقبلة، حيث ان هذه الشركات بشكل عام تُعتبر أحد الأصول التي يمكن أن تستخدمها كنوع من التحوط ضد التضخم وارتفاع الأسعار. 

وأخيراً، قد يكون من المهم التوجه نحو الاستثمار في المعادن الثمينة. البعض قد يقول إنّ أسعار الذهب اليوم هي عند ١٨٠٠$ دولار للأونصة وهذا رقم مرتفع. صحيح! لكنك قد تكون متأخراً حيث أن الذهب قبل الجائحة كان يتداول عند مستوى ١٤٠٠$ دولار واقل للأونصة. لكن هناك العديد من الخيارات للاستثمار في الذهب بتكلفة أقل، وسنذكر بعضها، و يمكنك اختيار أي منها او حتى كلها. 

  1. الذهب كقطع المعدنية: هذه القطع المعدنية ذات وزن الـ ٨ جرامات ومن أشهرها حول العالم قطعة الملك جورج الخامس وهي قطعة معدنية صادرة عن بنك إنجلترا المركزي. ومن الممكن شراؤها بسهولة في السوق. ضعوا خطة لشراء هذه القطع المعدنية بشكل شهري، حتى لو كانت بسيطة، فمع الوقت، فإن الاحجام الصغيرة سترتفع قيمتها وعددها إذا ما التزمتم هذه الخطة. وهذه القطع ستحمي قيمة الأموال التي لديكم في ظل استمرار انخفاض القيمة الشرائية للعملات الورقية العادية على مر الزمان. 
  2. صناديق الذهب المتداولة: وتعرف باسم الـ ETFs وهي عبارة عن صناديق تستثمر في الذهب ايضاً، لكنك تستطيع شراء أسهم في هذه الصناديق، ومثال على هذه الصناديق صندوق GLD وسعر السهم الواحد فيه يقارب ١٦٨$ دولار للسهم الواحد. 
  3. أسهم شركات التعدين: هناك العديد من شركات التعدين والتنقيب عن الذهب، وقد يكون من المناسب توزيع المشتريات فيها ايضاً، ومن أشهر هذه الشركات هي Newmont Corp ورمز السهم NME بالإضافة الى شركة Barrick Gold Corp تحت الرمز GOLD واخيراً شركة Franco-Nevada Corp تحت الرمز FNV.

——-

 * نور الدين الحموري هو كبير استراتيجيي السوق في FBS، ومالك موقع NourHammoury.com. وهو يتمتع بخبرة عقد من الزمن في مراقبة وتحليل العملات والتطورات الاقتصادية العالمية، إضافة لسياسات البنوك المركزية وتحليل توجهات الأسواق (وبخاصة الأسواق العالمية).