تبرز مخاوف من أن يكون العام 2023 في طريقه لأن يصبح ثالث أسوأ عام للنمو العالمي في القرن الحادي والعشرين، بعد العام 2020 فقط، وهو العام الذي شهد ظهور جائحة كورونا، بالإضافة إلى العام 2009 وهو السنة التي عصفت بها آخر أزمة مالية عالمية ترتّب عنها تداعيات كبيرة وبالغة.
يشير معهد التمويل الدولي أنه من المتوقع أن يكون النمو العالمي في العام 2023 أخف وطأة من الأزمة المالية العالمية في العام 2009، حيث تسبّبت روسيا وأوكرانيا في انكماشات هائلة على صعيد مختلف اقتصادات العالم.
في أكتوبر/تشرين الأول، قال صندوق النقد الدولي إنه من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي من 6 في المئة في 2021 إلى 3.2 في المئة في 2022 و 2.7 في المئة في 2023. بناءً على ذلك، لن يشهد العالم ركوداً في العام المقبل. ومع ذلك، مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي يشهد تباطؤاً واسع النطاق.
أعراض الصين
عانت الصين، التي تعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم – بلغ ناتجها المحلي الإجمالي 17.7 تريليون دولار انخفاضاً من 23 تريليون دولار) من تكرار سياسة “صفر كوفيد”، بالإضافة إلى أزمات ألمّت في قطاع العقارات، ممّا أدى إلى ضعف شديد على صعيد الاستهلاك والتنقل.
مؤخرًا، تخلّت جمهورية الصين عن سياستها الخاصة بفيروس كورونا وذلك لاحتواء الشريحة العمرية الأكبر سنًا – والأقل تحصينًا من بين عامة السكان – والتي قد تشكل عبءًا إضافياً على كاهل النظام الصحي، مع استعدادها لغزو المستشفيات للحصول على اللقاحات الفعالة ضد متحورات الوباء.
حققت الصين نموًا متوسط الأجل بنسبة 6 في المئة، لكن صندوق النقد الدولي قام بتقليص هذا المعدّل إلى 4.6 في المئة، كما يتوقع في يناير/كانون الثاني خفض التصنيف بدرجة أكبر.
قبل بضعة أشهر، حذر البنك الدولي من تزايد مخاطر حدوث ركود عالمي في العام 2023، مشيراً إل إن أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم – الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو قد شهدت تباطؤات حادة حيث يمكن أن تؤدي ضربة طفيفة للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل إلى دفعها إلى حالة من الركود.
تحذيرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة
في أواخر سبتمبر/أيلول، حذر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس من تضحم عالمي يصاحبه ركود اقتصادي.
وفي سبتمبر/أيلول أيضاً، كرّر البنك الدولي تحذيراته، مؤكداً أن حرب المصارف المركزية العالمية لوقف التضخم يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية.
في تموز/يوليو، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي والعضو المنتدب كريستالينا جورجيفا إن النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي “أصبحت قاتمة للغاية”، مشيرة إلى أنها لا تستبعد حدوث ركود عالمي محتمل في العام المقبل.
وتوقعت مؤخرًا وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين انخفاضًا كبيرًا في التضخم بحلول نهاية العام 2023، ما لم تحدث صدمات غير متوقعة. وأشارت يلين كذلك إلى استمرار خطر حدوث ركود على الرغم من وجود “نظام مصرفي صحي” و “قطاع تجاري ومعيشي صحي”.
الديون وأزمة الغذاء
انخفض الدين العالمي ليشكل حوالي 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إلا أنه لا يزال أعلى من مستويات ما قبل الوباء في العام 2021 عندما وصل إلى رقم قياسي بلغ 235 تريليون دولار في العام الماضي.
وصلت أسعار المواد الغذائية إلى مستوى قياسي في وقت سابق من هذا العام، مما وضع ضغوطاً على الميزانيات الحكومية في ظل ارتفاع فواتير استيراد المواد الغذائية.
ارتفعت أسعار الغذاء العالمية بنسبة 19.5 في المئة على أساس سنوي، حيث سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق في يناير/كانون الثاني 2022، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). وبلغ مؤشر الفاو لأسعار الغذاء (FFPI) 135.7 نقطة، بزيادة 22.2 نقطة عن يناير/كانون الثاني 2021.
وقدّم صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحليلاً لحجم أزمة الغذاء في أحدث تقريراته حول آفاق الاقتصاد العالمي، حيث أظهر أن انخفاضًا بنسبة 1 في المئة في المحاصيل العالمية يرفع أسعار السلع الغذائية بنسبة 8.5 في المئة.
ومع ذلك، فقد أظهر أيضًا أن زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في سعر الفائدة الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي تؤدي إلى تقليل أسعار السلع الغذائية بنسبة 13 في المئة بعد فترة ثلاثة أشهر. ويعود ذلم إلى أن المعدلات المرتفعة تثبط حيازات المخزون وتقلل من أنشطة المضاربة في أسواق العقود الآجلة للسلع، مما يؤدي إلى الضغط الهبوطي على أسعار المواد الغذائية.
مسارات الركود
يمكن أن يتعرض الاقتصاد الحقيقي للركود إذا بدأت المزيد من الصدمات في سحق ثقة الناس والمؤسسات، وخلق إنفاق أقل، وحدوث تغييرات على صعيد الخطط الاستثمار. قد يؤدي هذا إلى تأثيرات متتالية على مستوى العالم ولكن اعتماداً على نوع الصدمات، يمكن لبعض الاقتصادات أن تتعافى، في حين قد لا تتعافى الاقتصادات الأخرى بالسهولة نفسها.
كذلك، تحدث حالات الركود السياسي عندما تقوم المصارف المركزية العالمية برفع معدلات الفائدة بسرعة كبيرة، ولفترات طويلة، مما يقيّد الأوضاع المالية والاقتصادية. في المقابل، قد يؤدي اعتماد البدائل إلى تفاقم مشكلة تضخم على نحو أكبر.
يحدث أسوأ أنواع الركود المالي عندما تتعطل الصدمات، ويشمل ذلك حدوث أزمة عقارية على سبيل المثال، أو خلل في الأنظمة المصرفية. يترتّب عن ذلك أضرار دائمة على صعيد الميزانيات العمومية والثقة والإنفاق.
في هذا الإطار، يقول كبير محللي الاستثمار في CFRA، سام ستوفال، إن على المستثمرين الاستعداد للتقلبات في النصف الأول من العام 2023، مضيفًا أن المصرف الاحتياطي الفيدرالي قد يبطئ وتيرة رفع أسعار الفائدة في النصف الأول من العام 2020، قبل إيقاف إجراءات التشديد بحلول الربع الثالث.
إقرأ المزيد: سرعة ارتفاع الأسعار تدفع “فيتش” إلى خفض توقعات النمو العالمي
وكتب ستوفال: “نتوقع ركودًا معتدلًا، يعتمد بشكل أساسي على قوة التوظيف”. “نشهد على تعافي السوق في النصف الثاني، حيث نتوقع أن يضع الاحتياطي الفيدرالي حداً لرفع أسعار الفائدة بحلول أواخر الربع الأول وأوائل الربع الثاني، والتوقف مؤقتًا حتى الربع الثالث من العام 2023”.
اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي
استفادت الدول المنتجة للنفط ، ولا سيّما دول مجلس التعاون الخليجي، من الارتفاعات الحادة في أسعار النفط الخام، ممّا أدى إلى تحقيق زيادة على صعيد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، بلغ سعر خام برنت 82.7 دولارًا للبرميل، مقارنة بـ 77 دولارًا لنفط غرب تكساس. في مايو/أيار الماضي، تجاوز برنت 130 دولارًا قبل أن يستقر مرة أخرى عند 120 دولارًا ولاحقًا عند 100 دولار.
من غير المرجح أن تتكرر هذه الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الهيدروكربوني في العام 2023 وسط التخفيضات المحتملة لإنتاج أوبك+، لكن هذا يعني أن أسعار النفط ستظل مرتفعة وتساعد في دعم الإنفاق حتى مع انخفاض استثمارات القطاع الخاص حيث تستمر السياسة النقدية في التشديد في المنطقة، على خطى المصرف الاحتياطي الفيدرالي.
نقلاً عن تقرير معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى 2.7 في المئة في العام 2023، لكن القطاع غير النفطي سينمو بنسبة 3.9 في المائة. لا يرتقي ذلك إلى التقديرات السابقة ولكنه يمثّل مع ذلك بصيص أمل عند مقارنته باقتصادات متقدمة تعاني من ركود اقتصادي.
كما حددت وحدة “إيكونومي واتس” التابعة لشركة “بي دبليو سي الشرق الأوسط” النمو في الربع الثالث من العام 2023 بنسبة 2.7 في المئة.
وأفاد تقرير مدعوم بالذكاء الاصطناعي من شركة Iridium Advisors، وهي شركة استشارية مقرها دبي، أن مؤشر توقعات الأرباح في دول مجلس التعاون الخليجي انخفض بنسبة 8 في المئة على أساس ربع سنوي إلى أدنى مستوى له منذ الربع الأول من عام 2021، مما يعكس مشاعر الشركات الخليجية تجاه الأرباح في الربع الثالث من العام 2022.أما في الإمارات العربية المتحدة والكويت، فقد خالف مؤشر توقعات الأرباح هذا الاتجاه، مظهراً زيادة طفيفة في المعنويات.
وقال التقرير إن أسواق الأسهم الإقليمية لم تسلم من تأثير الانكماشات واسعة النطاق على الأسواق العالمية، والناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة إلى التقلبات على صعيد أسعار النفط والمخاوف إزاء حدوث ركود.
وبيّنت النتائج أن القطاع العقاري تخيّم عليه الأجواء الإيجابية، في حين شهدت قطاعات المواد الكيميائية ومواد البناء والمواد ذات الصلة أكبر انخفاض في المعنويات الإيجابية.