خالف مصرف الشعب الصيني توقعات وتوجهات أسواق المال العالمية بخفضه سعر الفائدة الرئيسية للمرة الثانية هذا العام، في محاولة لإنعاش الطلب على الائتمان لدعم الاقتصاد المتضرر بشدة من فيروس كورونا.
صحيح أن الخفض كان بنسبة 10 نقاط أساس فقط، لكن هذا الإجراء يأتي معاكساً تماماً للمسار النقدي الذي يتم اعتماده في الغرب وفي الاسواق الناشئة. ويؤكد أن مصرف الشعب الصيني، وهو المصرف المركزي للبلاد، مضطر على هذا الأمر لكون الاقتصادي الصيني في حالة أسوأ مما تبدو عليه.
لقد خفّض مصرف الصين الشعبي المعدل الرئيسي الذي يوفر به سيولة قصيرة الأجل للمصارف، من 2.1 في المئة إلى 2 في المئة. وقال في بيان إنه خفّض أيضا سعر تسهيلات الإقراض لمدة عام من 2.85 في المئة إلى 2.75 في المئة من أجل “الحفاظ على سيولة معقولة وكافية في النظام المصرفي”.
وكانت هي المرة الأولى منذ يناير/كانون الثاني التي تم فيها خفض هذه المعدلات. وهي خطوة فاجأت المستثمرين فيما ينتشر فيروس كورونا مجدداً.
ولقد أدى موقف بكين المتصلب في القضاء على كورونا إلى أشهر من الإغلاق في عشرات المدن في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك شنغهاي، المركز المالي والشحن البحري في البلاد، في وقت سابق من هذا العام. توقف العمل، وأغلقت المصانع، وحُصر ملايين السكان في منازلهم، مما أدى إلى اضطراب شديد في النشاط الاقتصادي. ثم بدأت السلطات في إعادة فتح الاقتصاد في بداية يونيو/حزيران، ورفعت القيود في بعض المدن الرئيسية. وأظهرت الصناعات التحويلية والخدمات بوادر تحسن بعد التحركات. لكن سرعان ما أعادت مدن متعددة فرض قيود كوفيد في وقت لاحق في يونيو/حزيران.
وكان المصرف المركزي الصيني قد بدا في السابق متردداً في خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر نظراً إلى المخاوف بشأن مخاطر ارتفاع الديون وتضخم المستهلكين والضغط على عملة اليوان، على الرغم من توقف الاقتصاد في الربع الثاني من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران.
ويبدو أن مصرف الشعب الصيني، على غرار المصارف المركزية الأخرى في العالم، ينتظر البيانات قبل اتخاذ أي قرار. وربما لم تترك الجولة الأخيرة من البيانات أمامه أي خيار سوى الخفض. وكانت المشكلة الأكثر إلحاحاً التي برزت أمامه في البيانات الأخيرة التي أظهرت زخماً اقتصادياً باهتاً في يوليو/تموز وتباطؤاً في نمو الائتمان. وتلك التي نشرت الاثنين، قبل قرار مصرف الشعب الصيني، بالنسبة لشهر يوليو/تموز كانت اسوأ بكثير مما كان متوقعاً.
فمبيعات التجزئة مثلاً نمت بنسبة 2.7 في المئة في يوليو/تموز مقارنة بالعام الماضي، متباطئة من نمو يونيو/حزيران البالغ 3.1 في المئة بحسب المكتب الوطني للإحصاء. وهو رقم فاجأ الاقتصاديين الذين توقعوا في استطلاع أجرته “رويترز” زيادة بنسبة 5 في المئة هذا الرقم. كما ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.8 في المئة في يوليو/تموز عن العام السابق، بانخفاض عن نمو 3.9 في المئة في يونيو/حزيران. علما ان توقعات السوق كانت تشير الى ارتفاع نسبته 4.6 في المئة.
بالإضافة إلى ذلك، تفاقم الركود في قطاع العقارات الذي يمثل حوالي 30 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للصين. وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء أن الاستثمار العقاري من قبل المطورين انكمش بنسبة 6.4 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، متسارعًا من تراجع بنسبة 5.4 في المئة في النصف الأول. وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار المساكن الجديدة في 70 مدينة رئيسية للشهر الحادي عشر على التوالي في يوليو/تموز.
وكان مشترو المنازل الغاضبون في جميع أنحاء البلاد هددوا بالتوقف عن سداد قروضهم العقارية على المنازل غير المكتملة، مما أدى إلى هزة الأسواق ودفع المطورين والسلطات إلى اتخاذ إجراءات لنزع فتيل الأزمة.
وذكر “غولدمان ساكس” الاثنين أن مقاطعة الرهن العقاري جعلت الناس أكثر إحجاماً عن شراء منازل جديدة، مما سيؤدي على الأرجح إلى مزيد من التراجع في المبيعات.
ونقلت “سي أن أن” عن إيفانز بريتشارد من “كابيتال إيكونوميكس” قوله: “تشير بيانات يوليو/تموز إلى أن الانتعاش بعد الإغلاق فقد قوته حيث تلاشت مفاعيل إعادة الفتح لمرة واحدة وأدت مقاطعة الرهن العقاري إلى تدهور متجدد في قطاع العقارات”. لكنه أضاف أنه من غير الواضح ما إذا كانت تخفيضات أسعار الفائدة الاثنين ستكون كافية لإحياء الانتعاش في نمو الائتمان.
النمو
هذه البيانات عززت من تراجع النمو الاقتصادي في البلاد خلال الربع الثالث من هذا العام. يقول معهد “بيترسون للاقتصادات العالمية” في تقرير له قبل أيام، إن الاقتصاد الصيني في أسوأ حالاته منذ أوائل عام 2020 بعد أن توسع بالكاد في الربع الثاني من عام 2022 مقارنة بالربع نفسه من العام 2021. وعلى أساس ربع سنوي، انكمش الاقتصاد بنسبة 2.6 في المئة. ونظراً إلى النمو الضئيل في النصف الأول من هذا العام، يجب أن ينمو الاقتصاد الصيني بواقع 7 إلى 8 في المئة في النصف الثاني لتحقيق هدف النمو للعام بأكمله بنسبة 5.5 في المئة، وهو أمر بعيد المنال بشكل واضح.
درجات الحرارة
والى ما تقدم، هناك مخاوف بشأن درجات الحرارة الشديدة وهطول الأمطار التي تؤثر على إنتاج الغذاء وتسبب التضخم في البلاد.
وكانت اجتاحت موجة حارة الصين منذ يونيو/حزيران، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية لعشرات المدن وأثرت على أكثر من 900 مليون شخص. وفي الوقت نفسه، تسببت العواصف الممطرة الغزيرة في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية شديدة في بعض المقاطعات.
هل من توقعات جديدة؟
بعد الخفض المفاجئ لسعر الفائدة، تشير التوقعات إلى خفض إضافي لسعر الفائدة على الإقراض متوسط الأجل بمقدار 10 نقطة أساس قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وتستند تلك التوقعات إلى حاجة الاقتصاد إلى الدعم النقدي وسط استمرار الرياح المعاكسة لثاني أكبر اقتصاد في العالم.