كان 2022 عام التطورات المتسارعة التي أنهكت الاقتصادات العالمية وإن لم تدخلها في حالة ركود.
في العام 2022، أصدر كبار الاقتصاديين في العالم مواقف عن أن الاقتصاد العالمي إذا لم يكن في حالة ركود بالفعل، فإنه على وشك السقوط في ركود. ولكن مع نهاية العام، يبدو انه تم تأجيل الركود العالمي إلى العام 2023.
بدأ العام 2022 بتوقعات متفائلة جداً عن تعافي الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، لتأتي الحرب الروسية – الاوكرانية فتمحي كل أمل بالنمو، وتشعل نار التضخم الذي تجاوزت مستوياته تلك المسجلة خلال عقود، وتدفع أسعار النفط صعوداً. وهو ما أدى الى تعليق أهداف “صفر انبعاثات”.
فكان أن قررت المصارف المركزية في العالم استخدام سلاح الفائدة للجم التضخم الآخذ في الارتفاع، ما قوّى الدولار مع تدفق المستثمرين عليه كملاذ آمن.
فيما عاشت الأسواق المالية العالمية عاماً شديد الاضطراب. كما سجلت أسهم شركات التكنولوجيا أسوأ أداء منذ عقود.
وسوق العملات المشفرة كانت بدورها ضحية وعرفت عاماً أسود.
وسيبقى انهيار منصة FTX علامة سوداء تخيم على قطاع العملات المشفرة لسنوات وسنوات مقبلة.
كما سيدخل هذا العام في التاريخ بفعل شراء إيلون ماسك لمنصة “تويتر”.
الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة، كان التضخم وجهود مجلس الاحتياطي الفدرالي لمكافحته، من العوامل المهيمنة في معظم التحليلات الاقتصادية.
وتشهد الولايات المتحدة أعلى مستويات التضخم منذ 40 عاماً، حيث كانت الأسعار بدأت في الارتفاع بشكل كبير منذ منتصف عام 2021.
ويعتقد البيت الأبيض أن الاقتصاد الأميركي لا يزال بإمكانه تحقيق “هبوط ناعم” حيث إن الاستثمارات الحكومية واسعة النطاق التي أقرها الرئيس جو بايدن تساعد في دعم سوق العمل خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
وكانت الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي اليدرالي في الأشهر التسعة الماضية لإبطاء النشاط الاقتصادي عن طريق رفع الفائدة لكبح التضخم، بدأت تنعكس في الأرقام.
فقد كشف مؤشر الاستهلاك الأخير للعام 2022 أن التضخم تباطأ بشكل كبير في نوفمبر/نوفمبر. لكن ذلك رافقه تباطؤ في الاستهلاك، مما قد يكون تمهيداً للركود المتوقع العام المقبل.
أوروبا
من المرجح أن تتجه أوروبا، التي تضررت بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة، إلى ركود، والذي يمكن تعريفه بأنه انخفاض ربعين متتاليين من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنسبة لمنطقة اليورو ككل، تتوقع وكالة “إس إند بي غلوبال” للتصنيف الائتماني وضعاً على قدر خاص من الصعوبة في الفصل الأول من العام 2023 وركوداً على مدى العام المقبل، ما يعكس تدهوراً جديداً في الآفاق الاقتصادية بعد التوقعات السلبية التي وردت طوال 2022.
بريطانيا
الاقتصاد البريطاني في طريقه إلى الانكماش بنسبة 0.4 في المئة العام المقبل مع استمرار ارتفاع التضخم، معطوفة على تداعيات قاتمة على النمو على المدى الطويل.
كانت بريطانيا تضررت بشدة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية، فضلاً عن تعافي سوق العمل غير المكتمل بعد جائحة كورونا واستمرار ضعف الاستثمار والإنتاجية.
وسجل التضخم البريطاني أعلى مستوى له في 41 عامًا عند 11.1 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى إلى ضغط حاد في طلب المستهلكين.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تكون بريطانيا أضعف اقتصاد في أوروبا باستثناء روسيا العام المقبل.
الصين
بدأت القاطرة الصينية تظهر بوادر تباطؤ إذ بات “من المرجح جدا” خفض توقّعات نمو الاقتصاد الصيني للعامين 2022 و2023، بحسب ما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا لوكالة الصحافة الفرنسية في منتصف ديسمبر/كانون الأول، متوقعة “بعض الصعوبات” مع تغيير بكين سياستها في التعامل مع الوباء.
وقالت جورجييفا إن إنهاء سياسة “صفر كوفيد” سيؤدي إلى “ازدياد أعداد الإصابات ما سيحمل تداعيات على سير الاقتصاد بشكل سلس”.
دول الخليج
إلا أن هذه الصورة لم تنسحب على دول الخليج. ويتوقع أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 6.9 في المئة وأن تحقق فائضاً مزدوجاً قوياً في العام 2022، بحسب البنك الدولي.
كما أن الأسواق المالية الخليجية شهدت أفضل أداء لها على الإطلاق مدفوعة بإرتفاع كبير في أسعار النفط الخام عالمياً، وتدفق حجم لا يستهان به من الاستثمارات وسط فورة من الاكتتابات العامة حصلت على ثناء دولي.
ومن المتوقع أن يساهم استمرار تدفق الإيرادات النفطية الكبيرة في تمكين الحكومات من زيادة إنفاقها، ما من شأنه أن يخفف من وطأة ما تواجهه الاقتصادات غير النفطية.
ولكن ماذا عن العام 2023؟
من المرجّح أن يواصل قطار التضخّم مساره. فيما الترجيحات تشير الى بطء وتيرة ارتفاع الفائدة نتيجة الانكماش الاقتصادي.
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتباطأ النمو العالمي إلى 2.7 في المئة في 2023. هو أضعف معدل نمو منذ عام 2001.
الا أن الانظار تتجه نحو الصين التي ستكون محورية لنمو الاقتصاد العالمي، في ظل تباطؤ الاقتصادين الأوروبي والأميركي، بالإضافة إلى الاقتصاد الياباني.
فهل ستستمر فوضى 2022 الاقتصادية خلال العام الجديد أم ستكون الصورة وردية ويستعيد العالم تعافيه؟