سعر أونصة الذهب يتخطى الألفي دولار نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية. لم يشكل هذا الخبر مفاجأة للأسواق وللمستثمرين. فلطالما اعتبر الذهب ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الاضطرابات الأمنية أو التطورات الجيوسياسية.
ففي حالات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، يهرب المستثمرون سريعاً من أسواق السندات والأسهم ويتجهون نحو المعدن الأصفر حيث المخاطر أدنى بكثير.
لماذا يسمى الذهب بالملاذ الآمن؟ ببساطة، لأنه المعدن الأكثر أماناً يسمح للافراد والمستثمرين بالحفاظ على ثرواتهم خلال الأزمات كونه يتمتع بخصائص قوية وهي قدرته على الاحتفاظ بقيمته ومقاومته لعوامل التغيير والهلاك.
كما أن الذهب يحتل مكانة قوية جدا في الاقتصاد العالمي كونه يعتبر مقياساً لتحديد مستويات الدول ومكانتها.
إتفاقية الذهب في “بريتون وودز”
تعتبر إتفاقية “بريتون وودز” – الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي – من ضمن المؤثرات القوية التي أثرت على سعر الذهب في العام 1944.
لقد عُقدت هذه الاتفاقية عقب الحرب العالمية الثانية في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأميركية. وكان الهدف الرئيسي منها الاتفاق على نظام نقدي دولي جديد، بغية تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي، وذلك عن طريق تثبيت سعر صرف أونصة الذهب بما يساوي 35 دولاراً أميركياً.
وقد استمر العمل بهذا النظام حتى 15 أغسطس/آب 1971 عندما أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وقف قابلية تبديل الدولار إلى ذهب، وهو أهم أركان نظام “بريتون وودز”.
هذا الأمر أدى إلى خسارة الدولار الأميركي لجاذبيته باعتباره عملة دولية ليتأثر بالعجز التجاري وايضاً العجز بموازنة الحكومة. وكانت النتيجة تعويم الدولار في مقابل العملات الأخرى، الأمر الذي أدى بدوره إلى تحريك الأسعار بشكل كبير جداً، حيث كان الذهب شهد تقلبات قوية في الأسعار طوال السنين. إذ كان سعر أونصة الذهب يقدّر في العام 1955 بـ35 دولاراً وفي عام 2011 ارتفع ليصل الى حدود 1920 دولاراً. وفي أغسطس/آب من العام 2020، وصل الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2074.88 دولاراً وذلك نتيجة ضعف الدولار والمراهنات على المزيد من إجراءات التحفيز لإنعاش الاقتصادات التي تعصف بها جائحة كورونا.
التغيرات في سعر الذهب على مر عقود
على مدى العقود العديدة الماضية، تأثر سعر الذهب بالعديد من العوامل المختلفة. وشهد تاريخ أسعار الذهب ارتفاعات وانخفاضات كبيرة.
وكانت الفترة الأطول هي تلك الممتدة من يناير/كانون الثاني 1975 إلى فبراير/شباط 2005. ففي هذه الفترة، ارتفع سعر الذهب وانخفض ولكنه عاد دائماً إلى متوسط سعر يبلغ حوالي 400 دولار للأونصة.
وكان الاستثناء الوحيد الملحوظ بين عامي 1979 و1980، حيث وصل سعر الذهب إلى حوالي 820 دولاراً، بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام، وما أعقب ذلك من تضخم خلال الفترة نفسها.
وبين فبراير/شباط 2005 وأغسطس/آب 2011، تم تسجيل زيادة ملحوظة في السعر، حيث انتقل من 400 دولار إلى 1880 دولاراً، باستثناء انخفاض خلال النصف الثاني من عام 2008 في خضم الأزمة المالية العالمية.
وبعد وصول أسعار السلع إلى ذروتها في أغسطس/آب 2011، انخفض سعر الذهب مرة أخرى من 1880 دولاراً إلى 1050 دولاراً في ديسمبر/كانون الأول 2015، وبدءا من عام 2016 شرع الذهب يستقر عند متوسط حوالي 1200 دولار حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2018.
العوامل المحرّكة للذهب
يذكر أن أحد أكبر العوامل المحرّكة للذهب هو قيم العملة. ولأن الذهب مقوّم بالدولار، فإن العملة الخضراء يمكن أن يكون لها تأثير كبير على سعر الذهب. بمعنى آخر، فإن ضعف الدولار يجعل الذهب أقل تكلفة نسبياً للمشترين الأجانب، وبالتالي قد يرفع الأسعار. وفي المقابل، فإن قوة الدولار تجعل الذهب أغلى نسبياً بالنسبة للمشترين الأجانب، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار.
تميل العملات الورقية أو الورقية إلى فقدان قيمتها بمرور الوقت. وإذا استمر الأمر على هذا النحو، فمن المحتمل أن يستمر الذهب في اتجاه صعودي حيث يتطلع المستثمرون إليه نظراً لسلامته وإمكاناته كتحوطٍ ضد انخفاض قيم العملات.
المجلس العالمي للذهب
في تقريره الشهري عن شهر فبراير/شباط، أعلن المجلس العالمي للذهب أن الذهب قفز بنسبة 6 في المئة على أساس شهري، إلى 1910 دولاراً أميركياً للأونصة الواحدة، وهو أعلى مكسب شهري منذ مايو/ايار 2021.
وقال المجلس إن الطلب على الملاذ الآمن فاق العائدات الاسمية المرتفعة والدولار الأقوى بشكل هامشي، حيث أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة التقلب وعدم اليقين.
وأوضح ان صافي مراكز كومكس (عقود الذهب الآجلة) ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ يوليو/حزيران 2020. وأضافت صناديق الذهب المتداولة ملياري دولار أميركي (35 طناً) إلى الأصول المدارة العالمية.
وبحسب التقرير، قد يؤدي خطر التباطؤ الاقتصادي وسط ارتفاع التضخم، إلى جعل قرارات السياسة النقدية أكثر تعقيداً، مما يدعم الطلب الاستثماري على الذهب.
وكان من المقرر أن يعلن الاحتياطي الفدرالي في وقت لاحق هذا الشهر بدء رفع معدلات الفادة، لكن الحرب الروسية –الأوكرانية طرحت حالة من عدم اليقين حول مدى استعداد المصرف المركزي الفدرالي لاتخاذ هذه الخطوة من أجل احتواء معدلات التضخم.
تصنيفات الذهب ومراتب عالمية
وأظهرت احصاءات المجلس العالمي للذهب أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الاولى كأكبر الدول في احتياطيات الذهب في شهر يناير/كانون الثاني 2022.
وأوضح المجلس في جدول له يضم 100 دولة بأكبر الدول في احتياطيات الذهب، أن الولايات المتحدة احتلت الصدارة في أكبر احتياطي للذهب في العالم 2021 باحتياطي بلغ 8133 طناً، تليها المانيا ثانياً بواقع 3359 طناً، ثم ايطاليا ثالثاً بواقع 2451 طناً، ومن ثم جاءت فرنسا في المرتبة الرابعة بواقع 2436 طناً.
..وعربياً
عربياً، جاءت السعودية بالمرتبة الأولى وفي المرتبة 18 عالميا بإحتياطي 310.3 أطنان، يليها لبنان ثانياً وفي المرتبة 20 عالمياً وبإحتياطي 286.8 طناً، ثم الجزائر وفي المرتبة 26 عالمياً باحتياطي 173 طناً، فليبيا وفي المرتبة 34 عالمياً وباحتياطي 116 طناً. وجاء العراق خامساً وبالمرتبة 39 عالمياً باحتياطي 96.3 طناً، يليه مصر سادساً وبالمرتبة 41 عالمياً باحتياطي 80 طناً. يليها الكويت سابعاً وبالمرتبة 43 عالمياً باحتياطي 79 طناً، ثم قطر ثامناً وبالمرتبة 48 عالميا باحتياطي 56 طناً. وجاءت الإمارات بالمرتبة التاسعة و49 عالمياً باحتياطي 55.4 طناً، وجاءت الإردن عاشراً وبالمرتبة 53 عالمياً باحتياطي بلغ 43 طناً.