Share

زيارة بيلوسي لتايوان تقلق الأسواق.. وتخوف على صناعة الرقائق عالمياً

تايوان تصنّع حوالي 50 في المئة من أشباه الموصلات في العالم
زيارة بيلوسي لتايوان تقلق الأسواق.. وتخوف على صناعة الرقائق عالمياً
ئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي

تثير زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان توتراً بين المستثمرين الخائفين أصلاً من خطر التباطؤ العالمي وسط ارتفاع التضخم. والأهم أنها تسببت بتنامي المخاوف من أي ينعكس تصعيد أمني على صناعة أشباه الموصلات والشرائح الالكترونية، سميا وأن تايوان تصنّع حوالي 50 في المئة من أشباه الموصلات في العالم.

وكانت بيلوسي وصلت الى تايوان في وقت متأخر الثلاثاء، في زيارة تحدٍ لأعلى مسؤول أميركي يتوجه إلى الجزيرة منذ زيارة سلفها نيوت غينغريتش في 1997، على وقع تهديدات من قبل الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها. إذ ردت بكين على الزيارة باعلان اجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية حول الجزيرة.

أسواق المال

 

وكان لزيارة بيلوسي وقعها على الأسواق المالية العالمية. فهي تعتبر عاملاً يضاف إلى قائمة مخاوف المستثمرين التي تتراوح بين تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وسياسة الاحتياطي الفدرالي التقشفية إلى شبح الركود الاقتصادي.

قبيل وصول بيلوسي، انخفض مؤشر “إم إس سي آي” للأسهم في آسيا والمحيط الهادئ بأكبر قدر في ثلاثة أسابيع، وكانت أشد الانخفاضات في هونغ كونغ والصين وتايوان. كما كانت العقود الآجلة للأسهم الأميركية والأوروبية في المنطقة الحمراء، فيما ارتفعت سندات الخزانة وعملة الين وسط الطلب على الملاذات الآمنة.

كبير محللي السوق في Oanda، إدوارد مويا كتب في مذكرة: “إن رد الصين على رحلة بيلوسي إلى تايوان يمكن أن يكون له تأثير على سلاسل التوريد والطلب، مما قد يبقي الضغوط التضخمية قوية”. قد تتأثر العملات المشفرة أيضاً، حيث “التوترات بشأن زيارة رئيسة مجلس النواب بيلوسي إلى تايوان قد تؤثر على الرغبة في المخاطرة، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض العملات المشفرة”.

ونقلت “بلومبرغ” عن شين أوليفر، كبير الاقتصاديين في AMP Capital Markets قوله إن الأسواق متخوفة قليلاً ومن المحتمل أن تتراجع في آسيا اليوم. هو يعتبر أنه إن لم يكن هناك أكثر من تدريبات وتوغلات عسكرية صينية مكثفة، فإن التأثير قصير المدى سيكون قصير المدى. “ولكن إذا اقترب الأمر من الصراع الفعلي، فسيكون هناك تأثير أكبر بكثير من حيث انخفاض سوق الأسهم مع أصول الملاذ الآمن (بالدولار، والسندات والذهب) ولكن هذا يبدو غير مرجح. على المدى الطويل، يشير ذلك إلى تصعيد إضافي في توترات الحرب الباردة بين الغرب والصين / روسيا مما يعني زيادة علاوات المخاطر “.

سلاح السندات

 

من شأن زيارة بيلوسي لتايوان أن تفاقم التوتر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة المتوترة أصلاً وخصوصا في الفترة الاخيرة بعد الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد روسيا – حليفة الصين –  بسبب حربها على أوكرانيا.

وكانت الصين بدأت منذ مدة في استخدام سلاحها الاقتصادي ضد الولايات المتحدة. فقررت أن تبيع حيازاتها للسندات الأميركية، علماً انها ثاني أكبر حائز للديون الأميركية في العالم بعد اليابان.

وبحسب موقع وزارة الخزانة الأميركية، فإن الصين خفضت حيازاتها من ديون الولايات المتحدة بمقدار 23 مليار دولار إلى 980.8 مليار دولار في مايو/أيار من أبريل/نيسان، وذللك للشهر السادس على التوالي. وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها إجمالي الديون إلى أقل من 1 تريليون دولار في 12 عاماً.

صناعة أشباه الموصلات

 

تستفيد الصين من كونها الشريك التجاري الأكبر لتايوان عبر معاقبة المصدّرين أو مقاطعة بعض السلع التايوانية أو تقييد التجارة الثنائية. وهو ما حصل. فقبيل وصول بيلوسي، حظرت الصين الاثنين استيراد المواد الغذائية من أكثر من 100 مورّد تايواني، وفقاً لما ذكرته صحيفة “يونايتد ديلي نيوز” المحلية. كما أوقفت اليوم بعض التعاملات التجارية مع تايوان.

ومع ذلك، يبدو أن الصين ستتعامل بحذر مع الجزيرة، لأنها تحتاج إلى أشباه موصلات تايوان. فالأخيرة تملك شركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” (تي.إس.إم.سي)، وهي تعد أكبر شركة بنظام التصنيع التعاقدي لأشباه الموصلات على مستوى العالم. إذ تمثّل أكثر من 50 في المئة من هذه السوق عالمياً، والتي تتضمّن الشركات العاملة في تصنيع الرقائق لشركات أخرى فقط. وتتضمّن قائمة عملائها شركة “أبل” التي تعتمد على الرقائق التايوانية في تصنيع أجهزة “أيفون”.

وتدخل الرقائق الإلكترونية في كل الأنشطة الصناعية تقريباً، مثل أنظمة الأسلحة الدفاعية، والمعدات الطبية، والسيارات، والآلات الصناعية، والإلكترونيات الاستهلاكية، والأنظمة البيئية.

ونقلت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية عن خبراء تخوفهم من اي تصعيد تقدم عليه الصين، وقالت “إن مصنع الرقائق الأكثر تقدماً في العالم على جزيرة تايوان، سوف يصبح غير قابل للتشغيل، مما سيؤدي إلى نقص في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الاستشعار في السيارات”.

فيما حذرت شركة تصنيع الرقائق التابعة لشركة “آبل”، شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، من أن الحرب بين تايوان والصين ستجعل الجميع خاسرين، مما سيؤدي بالضرورة إلى اضطراب اقتصادي.

وكان رئيس “تي اس أم سي”، مارك ليو قال في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن مصنع إنتاج الرقائق، لن يكون قادراً على العمل إذا قررت الصين بدء عملية عسكرية في تايون. وأضاف ليو في حديث لـ”سي إن إن”: “نظرا لأن تي اس أم سي منشأة تصنيع متطورة، فإنها تعتمد على الاتصال مع العالم الخارجي، مع أوروبا واليابان والولايات المتحدة، من المواد الكيميائية إلى قطع الغيار إلى البرامج الهندسية والتشخيص.” وحض بكين على التفكير مرتين قبل اتخاذ أي إجراء، لأن الصين تمثل 10 في المئة من أعمال “تي اس أم سي”، مشدداً على أن ذلك سيؤدي إلى أزمة في سلسلة التوريد قد تمتد إلى مناطق بعيدة مثل الولايات المتحدة.

وكانت اقتصادية صينية بارزة في إحدى المجموعات البحثية التابعة للحكومة الصينية حضت السلطات في يونيو/حزيران، على الاستيلاء على الشركة التايوانية إذا فرضت الولايات المتحدة على الصين عقوبات مماثلة لتلك المفروضة على روسيا.

وتعد هذه من أبرز التصريحات التي تظهر حتى الآن الطريقة التي يُنظر بها إلى صناعة الرقائق التايوانية في بكين على أنَّها واحدة من الأصول الاستراتيجية الرئيسية في المنافسة المحتدمة بين أكبر اقتصادين في العالم.

وتقوم الصين بجهود كبيرة لتطوير صناعة أصلية متكاملة لأشباه الموصلات، في إطار سعيها إلى التحول إلى ريادة الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات. من هنا، يمكن فهم قلق الولايات المتحدة الأميركي من السيطرة الصينية على هذا القطاع بعد تآكل حصتها في تصنيع وإنتاج أشباه الموصلات من 37 في المئة من الإنتاج العالمي عام 1990 لتبلغ اليوم 12 في المئة فقط.

وقد تقدّم الكونغرس الاميركي بتشريعات عدة لتسهيل ودعم هذا القطاع داخل الولايات المتحدة، وكان آخرها قبل أيام، تمرير مجلس الشيوخ مشروع “قانون أشباه الموصلات” CHIPS-plus)) بقيمة 52 مليار دولار ليدعم منتجي ومطوري أشباه الموصلات الأميركيين.

على أي حال، العالم يترقب إلى أي مدى ستصل اليه التوترات في المنطقة، سيما وأن الرئيس الصيني شي جين بينغ حذر خلال مكالمة مع نظيره الأميركي جو بايدن الحميس الماضي من “اللعب بالنار” بشأن تايوان. وقال له: “من يلعبون بالنار سيحترقون بها. نأمل أن يدرك الجانب الأميركي ذلك بوضوح”، وفق ما نقلت وسائل الإعلام الصينية.