انضمت إحدى المؤسسات المالية متعددة الأطراف الرائدة في العالم إلى مجموعة من الانتقادات للتخفيضات الضريبية الضخمة التي أعلنت عنها حكومة المملكة المتحدة الأسبوع الماضي والتي أدت إلى انخفاض قياسي للجنيه الاسترليني.
ففي توبيخ نادر ولاذع لمثل هذا الاقتصاد المتقدم الكبير، حذر صندوق النقد الدولي من أن التخفيضات الضريبية – وهي الأكبر في بريطانيا منذ أوائل السبعينات – من المرجح أن تزيد التضخم وعدم المساواة.
وكانت حكومة ليز تراس الجديدة أعلنت الجمعة أنها ستخفض الضرائب بمقدار 45 مليار جنيه إسترليني (48 مليار دولار) في محاولة لتحريك الاقتصاد البريطاني مرة أخرى. تتضمن الحزمة إلغاء أعلى معدل لضريبة الدخل لأصحاب الدخل المرتفع وزيادة كبيرة في الاقتراض الحكومي لخفض أسعار الطاقة لملايين الأسر والشركات هذا الشتاء.
لكن العديد من الاقتصاديين البارزين وصفوا الإجراءات غير التقليدية بأنها “مقامرة متهورة”، وحذروا من أنها ستجبر مصرف إنكلترا على الضغط بقوة أكبر في الوقت الذي يحاول فيه ترويض التضخم الذي يقترب بالفعل من أعلى مستوياته في 40 عامًا عند 10 تقريبًا في المئة.
وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي: “نحن ندرك أن الحزمة المالية الضخمة التي تم الإعلان عنها تهدف إلى مساعدة العائلات والشركات على التعامل مع صدمة الطاقة وتعزيز النمو من خلال التخفيضات الضريبية وإجراءات التوريد”.
لكنه أضاف: “ومع ذلك، نظرًا لضغوط التضخم المرتفعة في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، فإننا لا نوصي بحزم مالية كبيرة وغير مستهدفة في هذا المنعطف، حيث من المهم ألا تعمل السياسة المالية بما يتعارض مع أغراض السياسة النقدية”.
واعتبر صندوق النقد الدولي أن الإجراءات المخطط لها “من المرجح أن تزيد من عدم المساواة”، ودعا حكومة المملكة المتحدة إلى استخدام الموازنة في نوفمبر/تشرين الثاني كفرصة “للنظر في طرق تقديم الدعم الأكثر استهدافًا وإعادة تقييم الإجراءات الضريبية، خاصة تلك التي تستفيد منها ذوي الدخل المرتفع”.
وقد ترافق الانهيار في الجنيه الإسترليني منذ يوم الجمعة مع ارتفاع مفاجئ في تكاليف الاقتراض في المملكة المتحدة، حيث تجاوزت العوائد على السندات الحكومية لمدة 5 سنوات تلك الخاصة بالاقتصادات الأوروبية المثقلة بالديون مثل إيطاليا واليونان.
تتوقع الأسواق المالية الآن أنه يتعين على مصرف إنكلترا رفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من 6 في المئة بحلول الربيع المقبل، من 2.25 في المئة في الوقت الحالي، لدعم العملة واحتواء الضغوط التضخمية التي أطلقتها الهبات المالية الضخمة.
ووعد كبير الاقتصاديين في المصرف المركزي البريطاني الثلاثاء بإجراءات سعرية “كبيرة” في اجتماعه المقبل في نوفمبر/ تشرين الثاني.
المركزي يتدخل
وقد تدخل مصرف انكلترا بشكل طارىء في مواجهة “مخاطر فعلية على الاستقرار المالي البريطاني”، كرد فعل على التقلبات في الأسواق الناجمة عن خطة الموازنة ذات التكلفة العالية والتي انتقدها صندوق النقد الدولي بشدة.
وقال مصرف انكلترا في بيان الأربعاء إن “المصرف سيقوم بشراء سندات حكومية ذات آجال استحقاق طويلة اعتبارا من الأربعاء بهدف إعادة الظروف الطبيعية الى السوق”، موضحا أن هذه العملية “ستكون ممولة بالكامل من قبل وزارة الخزانة”.
وأضاف في معرض تبرير تدخله أن “حركة السوق تفاقمت منذ الثلاثاء وتؤثر بشكل خاص على الدين الطويل الأمد. إذا استمر هذا الخلل في عمل السوق أو تفاقم فهذا سيتسبب بخطر فعلي على الاستقرار المالي لبريطانيا”.
وفي دلالة على عدم ثقة المستثمرين في الأسهم البريطانية، انخفض الجنيه الاسترليني الى أدنى مستوى له تاريخياً ليصل الى 1.0350 دولاراً الاثنين.
وسجل العائد على الدين الحكومي الذي يزداد عندما ينخفض الطلب، ارتفاعاً كبيراً. وارتفع سعر السندات لأجل 30 عاما الذي كان يناهز 3.5 في المئة مطلع الأسبوع الماضي، ليصل في مستهل جلسة الأربعاء الى 5.14 في المئة وهو أعلى مستوى منذ 1998 ما يشير الى ارتفاع تكلفة تمويل الدين البريطاني.
ثم هبط سريعاً مع تدخل مصرف انكلترا، ليتراجع الى 4.47 في المئة.