المرشحة الأوفر حظًا لتحل محل بوريس جونسون كرئيسة وزراء جديدة للمملكة المتحدة لديها خطة لإنقاذ البلاد من الركود المرجح قوامها خفضاً ىنياً للضرائب. لكن العديد من الاقتصاديين لا يوافقونها الرأي.
وضعت استطلاعات الرأي ليز تراس، وزيرة خارجية المملكة المتحدة، أمام وزير المالية السابق ريشي سوناك في السباق الذي سيقرره أعضاء حزب المحافظين في أوائل سبتمبر/أيلول. وأمام المحافظين مهلة حتى الثاني من سبتمبر/أيلول لاختيار رئيسهم الجديد على أن تُعلن نتائج التصويت في الخامس منه.
وفي حال انتخابها، تواجه تراس مجموعة كبيرة من التحديات. فالملايين من البريطانيين يكافحون في سبيل تغطية نفقاتهم مع وصول التضخم إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود (10.1 في المئة في يوليو/تموز)، مدفوعاً بفواتير الطاقة المنزلية المرتفعة.
وتستعدُّ الأُسر لزيادة قيمة فواتير استهلاكها من الطاقة اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول المقبل بنحو 80 في المئة، عندما يقرر جهاز تنظيم قطاع الطاقة البريطاني “أوفغيم” رفع الحد الأقصى لأسعار الكهرباء في ضوء ارتفاع أسعار الطاقة في سوق الجملة.
وذكرت “بلومبرغ” أن أحدث التقديرات لشركة “أوكسيليون” للاستشارات أشار إلى أنه من المحتمل وصول قيمة فاتورة الطاقة السنوية للأُسرة البريطانية إلى حوالي 3600 جنيه استرليني (4292 دولاراً)، عندما يتم هذا الاسبوع إعلان مستويات التسعير الجديدة للاشهر الثلاثة التي تبدأ من أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ووفقاً للقواعد الحالية، تصل قيمة الفاتورة السنوية في المتوسط إلى 1971 جنيهاً استرلينياً.
في مقابلة لها الأحد مع صحيفة “ذا صن أون صنداي”، استبعدت تراس احتمال حدوث ركود اقتصادي في بريطانيا. وقالت “هناك الكثير من الكلام عن حدوث ركود.. لا اعتقد أن هذا حتمي. هنا في بريطانيا بامكاننا إطلاق العنان للفرص”.
وكان مصرف إنكلترا رفع سعر الفائدة بنسبة نصف نقطة مئوية للمرة الأولى بهذا القدر منذ 27 عاماً في إطار جهوده لاحتواء التضخم، وهكذا أصبح سعر الفائدة في بريطانيا 1.75 في المئة في سابقة هي الأولى منذ العام 2008، قبل الأزمة المالية العالمية.
“علاج” تراس لتفعيل النمو خطة مؤلفة من 6 نقاط يأتي في مقدمتها التزام خفض الضرائب “الآن” (بينما يريد خصمها أولاً خفض التضخم)، وتحرير الأعمال من القيود التنظيمية “المرهقة”، وإلغاء جميع القوانين المستمدة من الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2023، والعمل مع قادة الصناعة لتنظيم الأعمال التجارية والمستهلكين البريطانيين. كما ستقوم بإنشاء مناطق استثمار منخفضة الضرائب ومنخفضة التنظيم، وسوف تعيد النظر في تفويض مصرف إنكلترا حتى يكون أفضل في إدارة التضخم.
في الشق الضريبي، وهو الأهم في الخطة، وعدت تراس بإلغاء زيادة ضريبة الدخل التي تم تقديمها في أبريل/نيسان، والتخلي عن الزيادة المخططة في الضرائب على الشركات العام المقبل من 19 في المئة إلى 25 في المئة التي تم تصميمها للمساعدة في دفع تكاليف الإغاثة من الوباء، وتعليق عنصر الضريبة الخضراء في فواتير الطاقة. وبرأي تراس، فإن التخفيضات الضريبية ستساعد في كبح جماح الأسعار الجامحة وتعزيز النمو.
وفقا لتقديرات معهد الدراسات المالية، تعتقد تراس أنه بإمكانها التصدي للركود من خلال مجموعة من التخفيضات الضريبية على الدخل الشخصي والأعمال تصل إلى أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني (37 مليار دولار).
وقال متحدث باسم ليز تراس لشبكة “سي أن أن” إن العبء الضريبي للبلاد سيكون قريباً الأعلى منذ الأربعينات، مما سيخنق الأعمال والابتكار والنمو. وشرح بأن تخفيضات ليز الضريبية “ضرورية وميسورة التكلفة وليست تضخمية”، وأن خفض الضرائب وتحفيز الاستثمار التجاري سيعزز الإنتاجية، ويخلق وظائف جديدة ويضمن للناس أن يحتفظوا بالقدر الأكبر من أموالهم”.
لكن منافس تراس، ريشي سوناك ابلغها أنها لا تستطيع تقديم الدعم للأسر البريطانية المتعثرة هذا الشتاء والتمسك بسياستها الرئيسية المتمثلة في التخفيضات الضريبية. وقال لها الأحد إن السيطرة على التضخم هي القضية الأكثر إلحاحاً، ووعد بخفض الضريبة على القيمة المضافة على فواتير الطاقة المحلية من 5 في المئة إلى صفر، وخفض ضريبة الدخل بمقدار 3 بنسات بحلول عام 2029.
غير واقعية
ادعاء تراس ترك العديد من الاقتصاديين والمسؤولين في حيرة من أمرهم. حتى أن بعضهم ذهب إلى حد وصف الخطة الضريبية بانها غير واقعية.
مايكل غوف النائب المحافظ الذي تولى مناصب وزارية في حكومات ثلاثة رؤساء وزراء على مدى 11 عاما، اعتبر في تصريح له لصحيفة “التايمز” السبت أن تراس “بعيدة عن الواقع” وقال إن “معالجة أزمة غلاء المعيشة لا تكون بتقديم مساعدات مالية جديدة وخفض الضرائب”. وأكد أن الخفض المقترح سيصب في مصلحة الأثرياء والشركات الكبرى على حساب أصحاب المشاريع الصغيرة والفئات الأكثر ضعفا.
أضاف غوف “لا أرى كيف أن حماية خيارات الأسهم للمديرين التنفيذيين في مؤشر فوتسي يحظى بأولوية على دعم الفئات الأفقر في مجتمعنا. لكن في وقت الضيق لا يمكن أن تكون الأولوية الصحيحة”.
كما أبلغ الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد جون فان رينين ، شبكة “سي أن أن” بأن تراس مخطئة. فاقتراحها “لن يؤدي إلى خفض التضخم ، بل سيزيده.. تؤدي التخفيضات الضريبية إلى زيادة الأموال في جيوب الناس، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.. وفي سياق سوق العمل الضيق للغاية، فإن زيادة الطلب ستؤدي إلى تفاقم التضخم”.
وبحسب تحليل لمجلة “الغارديان”، فان تقدير تراس وفريقها بأن تكلفة خطتها للتخفيضات الضريبية هي 30 مليار جنيه استرليني “هو أمر غير دقيق”. وتركن المجلة الى عدد من الاقتصاديين الذين يقدرون بان تكون تكلفة هذه الخطة أعلى بكثير، وقد يتجاوز الـ50 ملياراً سنوياً.
لا شك أن البريطانيين يئنون ويتوجعون فيما صورة المستقبل الاقتصادي للبلاد قاتمة جداً. وكل الحلول المقترحة لن تجنّب البلاد ركوداً ستبدأ تلاميحه قريباً.