Share

انكشاف كبير لمصارف الصين على العقار.. فهل تكون أكبر من أن تفشل؟

ترتبط نحو 40 في المئة من قروض الدولة القائمة في أنشطة مصرفية الظل
انكشاف كبير لمصارف الصين على العقار.. فهل تكون أكبر من أن تفشل؟
ديون المجموعات العقارية وصلت إلى مستويات دفعت بالسلطات إلى وضع حدّ لتوسّع هذه الشركات

ماذا يحصل في النظام المصرفي في الصين؟ سؤال يتكرر في الآونة الأخيرة بفعل الانكشاف الكبير للمصارف على القطاع العقاري الذي يعاني من ضغوط كبيرة ومخاطر تتأرجح ما بين التعثر والإفلاس.

فالنظام المصرفي العملاق في الصين، ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، يتعرض بشدة لأزمة العقارات. إذ ما يقرب من 40 في المئة من جميع القروض المصرفية مرتبطة بالممتلكات.

ويتزايد الضغط على تلك المصارف بسبب تخلف العشرات من المطوّرين العقاريين عن سداد مستحقاتهم لتلك المصارف أو تخلفهم عن سداد السندات الخارجية، كما حصل مع العملاق العقاري في الصين مجموعة “إيفرغراند”، المطور الأكثر مديونية في العالم.

في العقود الأخيرة، شهد قطاع العقارات في الصين نمواً سريعاً أتاح للمطوّرين بيع عقاراتهم حتى قبل إنجاز عملية بنائها، ممّا مكّنهم من تمويل مشاريع أخرى.

لكنّ ديون المجموعات العقارية وصلت إلى مستويات دفعت بالسلطات إلى وضع حدّ لتوسّع هذه الشركات اعتباراً من العام 2020.

ومنذ ذلك الحين، تراجعت إمكانية الحصول على الائتمان بشكل كبير بالنسبة لهذه المجموعات ولم يعد في وسع بعضها إكمال مشاريعه، ما فاقم أزمة الثقة لدى المشترين المحتملين وأدى إلى انخفاض الأسعار.

وفي الأشهر الأخيرة، أثّرت هذه الأزمة غير المسبوقة على شركة كبيرة أخرى في هذا القطاع هي “كانتري غاردن” التي كانت معروفة بمتانتها المالية.

ويعني حجم مشاكل العقارات في الصين أن الحكومة قد تضطر في السنوات المقبلة إلى إنفاق مبالغ ضخمة من المال لإنقاذ المصارف.

وقد اتخذ المسؤولون في بكين بعض الخطوات، مما يؤكد الخيارات الصعبة التي يفرضها الدين العقاري على صانعي السياسات. إذ سمحوا، على سبيل المثال، للمصارف بمنح وقت إضافي للمقترضين قبل استحقاق قروضهم، وهي خطوة تخاطر بفعل القليل ولكنها تؤجل المشكلة لبعض الوقت.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن أندرو كولير ، المؤسس والعضو المنتدب لشركة “أورينت كابيتال”، وهي شركة أبحاث اقتصادية في هونغ كونغ قوله” إذا فشلت الصين في إصدار أوامر للمصارف بشطب القروض المعدومة في سوق العقارات، فإن تكاليف الفائدة ستستمر في  التسبب بضرر للاقتصاد، في حين سيستمر إهدار الكثير من رأس المال على الاستثمارات التي لا قيمة لها”.

ومع ذلك، لا يتوقع أحد تقريبا أن يؤدي انخفاض أسعار العقارات في الصين إلى اندلاع سلسلة من الانهيارات المصرفية الكبيرة الخارجة عن السيطرة، على غرار ما تعرضت له الولايات المتحدة قبل 15 عاما. فالنظام المصرفي الصيني، الذي يمتلك أربعة أخماس الأصول المالية للبلاد، بما في ذلك معظم السندات، أكبر بكثير من أن تفشله الحكومة.

لماذا؟ لأن الحكومة الصينية تمتلك بشكل مباشر أو غير مباشر حصصاً مسيطرة في جميع المصارف تقريباً، مما يمنحها رأياً قوياً في مصيرها حتى بعد امتلاك سلطات تنظيمية واسعة النطاق.

ويعتمد النظام المالي الصيني في الغالب على القروض المصرفية لمدة عام أو أكثر، على عكس الأوراق المالية القابلة للتداول التي تراجعت قيمتها بسرعة عام 2008، مما أدى إلى الانهيار المالي العالمي. ويمنع المنظمون معظم التحركات الكبيرة للأموال داخل البلاد وخارجها، مما يجعل النظام المالي الصيني غير معرض للخطر تقريباً لهذا النوع من المغادرة المفاجئة للأموال الأجنبية التي تسببت في الأزمة المالية الآسيوية في البلدان المجاورة في عامي 1997 و 1998.

لكن المشاكل الحالية في العقارات الصينية، والتي تعود جذورها إلى سنوات من الإقراض الجامح والاستثمار المفرط في المضاربة، تشكل تحدياً هائلاً لصانعي السياسات.

مصارف الظل

في الماضي، تمكن المطورون العقاريون من الاقتراض بحرية من مصارف الظل، متجاوزين حدود الاقتراض لشراء الأراضي.

والظل المصرفي هو مصطلح أطلق في الولايات المتحدة في عام 2007، ويشير إلى الخدمات المالية المقدمة خارج النظام المصرفي الرسمي، والتي تخضع لرقابة عالية.

وتمتلك الصين واحدة من أكبر صناعات الظل المصرفي إذ ترتبط نحو 40 في المئة من قروض الدولة القائمة في أنشطة مصرفية الظل.

ويمكن لمؤسسات مصرف الظل إقراض الأموال لمزيد من الكيانات بسهولة أكبر، لكن هذه القروض لا يتم دعمها بالطريقة نسفها التي يتم فيها دعم المصارف التقليدية. وهذا يعني أن الطلب المفاجئ والواسع النطاق على الدفع يمكن أن يكون له تأثير الدومينو.

وتقوم شركات الائتمان، أحد أبرز أجزاء نظام “الظل المصرفي” نيابة عن عملائها، إضافة إلى إدارة الأصول الموكلة إليهم، ببيع كثير منهم منتجات استثمارية عالية العائد مباشرة إلى الشركات والأفراد، ومن ثم يستثمرون العائدات في مجموعة متنوعة من الأصول، أو يقرضون بشكل مباشر الشركات أو المشاريع العقارية، وغالباً لتلك التي لا تستطيع تأمين تمويل منتظم من المصارف أو سوق السندات.

اقرأ أيضا: بنك أوف تشاينا يوسّع حضوره بافتتاح فرع جديد في الرياض لتعزيز اعتماد اليوان

إلا أن القيود التي فرضتها بكين على مصارف الظل، دفعت المطورين إلى اللجوء إلى مصادر تمويل أخرى لسداد قروض مصارف الظل. فراحوا يعتمدون أكثر على عمليات بشكل أكبر على المبيعات المسبقة للشقق لمشتري المنازل – من خلال الرهون العقارية – وإبطاء البناء لتوفير التكاليف.

ولكن عددا لا بأس من الشركات العقارية المتعثرة أبقى بعض الديون خارج دفاتره. وقالت “ستاندرد آند بورز” إن الكثير من هذه الديون الخفية تم توفيرها من قبل الشركات الاستئمانية.. كانت هذه الشركات في الأساس جزءا من نظام الظل المصرفي في الصين”.

اعتباراً من نهاية شهر مارس (آذار)، تعرض حوالي 7.4 في المئة من قيمة الصناديق الاستئمانية في الصين للعقارات، أي ما يعادل حوالي 1.13 تريليون يوان (159.15 مليار دولار)، وفقًا لبيانات جمعيات الصين التي استشهدت بها “نومورا”. وهي تقدر أن المستوى الفعلي لقروض المطورين من الشركات الاستئمانية أكبر بثلاث مرات-عند 3.8 تريليون يوان اعتباراً من نهاية يونيو (حزيران).

كما استخدمت المصارف في الصين شركات الائتمان لإخفاء المستوى الحقيقي للمخاطر في ميزانياتها العمومية، في حين كسبت المال عن طريق إقراض المقترضين المقيدين – مثل مطوري العقارات والحكومات المحلية. ووفق تقديرات، فإن خدمات الظل المصرفي تمثل ما يقرب من ثلث إجمالي الإقراض في الصين من 2012 إلى 2016 . ولكن بعد حملة بكين على القطاع، انخفض نمو الائتمان في الصين إلى النصف.

اليوم، مشكلة بكين هي أنها تحتاج إلى إيجاد مخارج أخرى للدعم الاقتصادي. وبالتالي، سيعتمد النمو الاقتصادي للصين على مدى السنوات المقبلة على مدى نجاح وكفاءة النظام المالي في تحويل موارده بعيدا عن الإقراض المرتبط بمشاريع الاستثمار الحكومية المحلية نحو شركات القطاع الخاص الأكثر إنتاجية. وإلا ستواصل معدلات النمو الاقتصادي في التباطؤ.

أنقر هنا للمزيد من أخبار المصارف والتمويل.