Share

هل تصدق التوقعات وتقود الصين النمو العالمي هذا العام؟

النمو الاقتصادي الصيني يواجه تباطؤًا وسط حالة عدم اليقين السائدة
هل تصدق التوقعات وتقود الصين النمو العالمي هذا العام؟
نمو الاقتصاد الصيني جاء أبطأ ممّا كان متوقعاً

كان يفترض أن يكون العام 2023 هو العام الذي يدب النبض مجدداً إلى الاقتصاد الصيني، وأن يكون رافعة النمو الاقتصادي العالمي كما توقع صندوق النقد الدولي في بدايات 2023. حتى أن الأسواق المالية العالمية اعتبرت أن إعادة افتتاح الاقتصاد الصيني بعد القيود التي وضعتها بكين من أجل الحد من انتشار كوفيد 19، سوف تكون الحدث الاقتصادي الأهم والأكبر لهذا العام. وهو بالفعل كذلك، فهو لا يزال الحدث الاقتصادي الأهم لهذا العام، ولكن.. لأسباب باتت مختلفة.

فالاقتصاد الصيني، وهو الثاني الاكبر بعد اقتصاد الولايات المتحدة، نما بنسبة 6.3  في المئة في الربع الثاني مقارنة بالعام السابق. هذا يبدو مثيراً للإعجاب. لكنه كان أبطأ مما كان متوقعاً. وهو نما على أساس ربعي بنسبة 0.8 في المئة فقط في الربع الثاني مقارنة بما نسبته 2.2 في المئة في الربع الأول من العام، بمعدل سنوي يبلغ 3.2 في المئة فقط.

كما أن عدداً غير قليل من البيانات يرسم صورة متشائمة للأشهر المقبلة.

اقرأ أيضاً: هل تنجح زيارة يلين للصين في إرساء العلاقات على أسس أكثر صلابة؟

هناك العديد من العقبات التي تسبب تباطؤ النمو، منها أولاً أن الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على التصدير في الأساس يعاني ضعفاً في الطلب على سلعه بسبب تداعيات أسعار الفائدة المرتفعة للاقتصادات المتقدمة. وعلى سبيل المثال، تقلصت القيمة الدولارية لصادرات الصين بأكثر من 12 في المئة في يونيو/حزيران مقارنة بالعام السابق – وهو أكبر انخفاض منذ ذروة الوباء في فبراير/شباط 2020.

كما أن تراجع الطلب الخارجي على الإلكترونيات الاستهلاكية التي دعمت الانتاج الصناعي الصيني خلال الوباء، تسبب من جهته بإجهاد الاقتصاد الصيني، الذي يمثل ما يقرب من ثلث الإنتاج الصناعي في العالم.

وتشير “ذي إيكونوميست” إلى نقطة مهمة في هذا الإطار، وتقول إن النمو الاسمي في الصين، أي قبل تعديل التضخم، جاء أضعف من الرقم المعدل حسب التضخم؛ وهو أمر لم يحصل سوى أربع مرات فقط في الأرباع 40 الماضية. ويشير إلى أن سعر السلع والخدمات الصينية آخذ في الانخفاض. وهذا يعني أنها انخفضت بنسبة 1.4 في المئة في العام حتى الربع الثاني، وهو ما سيكون أكبر انخفاض منذ الأزمة المالية العالمية.

أما العقبة الثانية، فهي ضعف ثقة المستهلك في الصين. فمنذ الوباء، تراجعت مبيعات التجزئة بشكل كبير. في وقت تستعد أسعار المنازل الجديدة لأطول فترة من الانخفاضات منذ بدء إعداد السجلات في عام 2011. كما أن البطالة بين خريجي الصين التي تجاوزت العشرين في المئة، تبعث على التشاؤم.

وتدخل مسألة الاستثمار في الأعمال التجارية كعقبة ثالثة أمام النمو. إذ أدت حملة الرئيس شي جينبينغ التنظيمية على شركات التكنولوجيا في السنوات الأخيرة والتوترات الجيوسياسية الأوسع مع الولايات المتحدة إلى تفاقم حالة عدم اليقين. وانكمش الاستثمار الخاص في الأصول الثابتة بنسبة 0.2 في المائة في الأشهر الستة الأولى من العام، مقارنة بنمو استثمارات الكيانات الحكومية بنسبة 8.1 في المئة، وفق أرقام “فايننشال تايمز”.

كما تراجع الاستثمار العقاري، الذي دفع الاقتصاد الصيني لنحو عقدين من الزمن، وفقد انتعاش سوق العقارات في الصين ما كان متوقعاً لهذا القطاع. إذ تراجعت مبيعات الشقق بنسبة 27 في المئة في يونيو/حزيران مقارنة بالعام السابق.

وفي الإطار نفسه، لا بد من الإشارة هنا إلى أن المساحة المالية ضيقة في الصين، بمعى أن الدين الحكومي المحلي يقترب من التسعة تريليونات دولار، وهو ما يمثل تقريبا نصف الناتج المحلي الإجمالي. وفي ظل ضعف الطلب المحلي، يمكن أن ترتفع التكاليف الحقيقية لخدمة سداد الديون الضخمة.

يذكر أن معدل التضخم السنوي الرئيسي في الصين في يونيو/ حزيران، 0.4 في المئة. فيما تراجع مؤشر أسعار المنتجين للشهر التاسع على التوالي في يونيو حزيران إلى 5.4 في المئة عن العام السابق، وهو أكبر انخفاض منذ ديسمبر/كانون الأول 2015.

كبير المستشارين الاقتصاديين لدى “أليانز” أحمد العريان أرجع في مقال له لـ”بروجيكت سنديكات” التباطؤ الأخير في النمو الصيني إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها أن البيانات التجارية الأخيرة تظهر أن الاقتصاد العالمي لم يعد يدعم ديناميكيات النمو المحلي للصين، إذ انخفضت الصادرات في يونيو 12.4 في المئة، وكذلك الواردات 4.1 في المئة. وأرجع ذلك لأن كبار الشركاء التجاريين في أوروبا يعانون أيضاً تباطؤ النمو الاقتصادي، إلى جانب القيود المعززة التي تتخذ ضد الصين لا سيما تلك التي فرضتها الولايات المتحدة.

أما العامل الثاني، فهو أن الصين ممزقة بين نهجين لتحفيز الاقتصاد، ما أسفر عن استجابة سياسية غير حاسمة، في الوقت الذي تتفاقم فيه تحديات السياسة المحلية بسبب العوامل الهيكلية، بما في ذلك شيخوخة السكان وارتفاع معدل البطالة بين الشباب.

والعامل الثالث والأخير، هو أن إنهاء القيود الصارمة التي كانت تفرضها بكين لمواجهة الوباء لم يؤد إلى طفرات شاملة في الطلب على الأعمال والعقارات.

وأضاف العريان أنه نظراً إلى أن النمو في أوروبا والولايات المتحدة قد يظل ضعيفاً في المستقبل المنظور، فضلاً عن استمرار تأثر الاقتصاد العالمي بالموجة الأكثر عدوانية من رفع الفائدة من قبل المصارف المركزية في الاقتصادات المتقدمة منذ عدة عقود، فإن الصين لا يمكنها الاعتماد على العولمة لإنقاذ نموذجها المتعثر للنمو، مقترحاً أن تنظر بكين إلى الداخل وتعيد توجيه سياستها نحو نموذج نمو فعال.

ويلقى اللوم في التباطؤ الاقتصادي إلى حد كبير على سياسة الحكومة الصينية. وتقول “فايننشال تايمز” هنا إن عقوداً من الاعتماد على نموذج النمو القائم على الاستثمار أدت إلى إبطاء انتقال الصين إلى اقتصاد قائم على المستهلك. كما أدى ضعف الرقابة على سوق الإسكان إلى ازدهار الإقراض غير المستدام، في حين أعاقت العوائق السياسية الشركات الخاصة. كما تركت قيود كوفيد القاسية ندوباً.

كما ترى الصحيفة البريطانية أنه لتجنب دورة الانكماش المنهكة من أن تصبح جزءا لا يتجزأ، سوف تحتاج الحكومة إلى التحرك بسرعة، وإلى إظهر الوضوح التنظيمي بالنسبة للشركات.  كما سوف تحتاج بكين إلى إعادة هيكلة ديونها الحكومية المحلية؛ حيث أن أحد الخيارات قد يكون بيع أصول الدولة لشركات خاصة. وستساعد العائدات السلطات المحلية على تجنب أزمة الديون، بحسب “فايينشال تايمز”.

ولكن، على الرغم من هذه الصورة غير الوردية، يتوقع معظم المحللين أن ينمو الاقتصاد الصيني فوق 5 في المئة هذا العام، مما يعني أن الصين ستظل تقود الاقتصاد العالمي مع تباطؤ اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من التقارير الاقتصادية.