Share

تعزيز القطاع غير النفطي في السعودية

رحلة لن تنتهي في 2030 
تعزيز القطاع غير النفطي في السعودية
نمو سعودي (صورة توضيحية)

يقترب العالم من نهاية عام غير مفرح للاقتصاد الدولي مع استمرار عناد معدلات التضخم رغم تراجعها منذ بداية العام. لكن يبدو أن استعادة عقارب ارتفاعات أسعار الفائدة إلى الوراء لن يكون بالوقف القريب أبداً.

وسط هذا المشهد غير الوردي، تبرز السعودية كـ”نقطة مضيئة” وفق توصيف المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا غورغييفا نفسها بفعل خطىً ثابتة تخطوها على طريق تحقيق أهداف رؤيتها 2030.

فالمملكة تمكنت من قيادة الانتعاش الاقتصادي في المنطقة على مدار عامين بعد تراجع اقتصادها خلال جائحة كوفيد -19. وكانت اختتمت العام 2022 بنمو  8.7 في المائة كان الأعلى منذ أكثر من عقد – كما كان الأعلى من بين مجموعة العشرين، حيث  حطمت الرقم القياسي الإجمالي لأكثر من تريليون دولار العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، كانت المملكة تعزز أهدافها في التنويع الاقتصادي من ضمن “رؤية 2030” التي تستهدف بشكل صريح إلى وضع القطاع غير النفطي في قلب تنمية البلد الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، يتضمن برنامجا التحول الوطني والتوازن المالي مبادرات وأهداف من أجل تنويع إجمالي الإيرادات الحكومية كجزء من أهداف رؤية 2030.

اقرأ أيضاً: 421 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين السعودية ودول مجموعة العشرين في 2022

ولطالما كانت خطط التنويع الاقتصادي وزيادة الإيرادات غير النفطية في الاقتصاد السعودي جزءاً من خطط التنمية منذ السبعينات، إلا أنها اكتسبت زخماً  بعد إطلاق “رؤية 2030” عام 2016.

وفي العام 2022، بلغت حصة الاقتصاد غير النفطي 59 في المئة، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 15 في المئة بالقيمة الحقيقية و 28 في المئة بالقيمة الاسمية.

وفي الربع الثاني من العام الحالي، واصلت النشاطات غير النفطية نموها (5.5 في المائة في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي)، في مقابل انخفاض بنسبة 4.2 في المئة في النشاطات النفطية مقارنة بالربع الثاني من عام 2022.

وكانت وكالة “موديز” توقعت أن ينمو الاقتصاد السعودي بمعدل أعلى من المتوقع في عامي 2023 و2024 مدعوماً بقطاعه غير النفطي.

ومؤخراً، نشر “معهد دول الخليج العربي في واشنطن” تقريراً عرض فيها لـ”علامات نجاح السعودية التنويع” في مجالات أربعة، هي الصادرات حيث أشار إلى تراجع صادرات النفط من إجمالي الصادرات مقابل توسع في صادرات البتروكيميائيات والسياحة. الأولى ارتفعت حصتها من 9 في المائة من صادرات السلع والخدمات في 2012-2013 (حين كانت عائدات صادرات النفط السعودية مرتفعة بشكل استثنائي)، إلى 12 في المائة في عام 2022. كما ارتفعت صادرات السفر من 2 في المئة في 2012-2013  إلى 5 في المئة في 2022.

والمجال الثاني هو نمو حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للمملكة من 37 في المائة في 2012-2013 إلى 39 في المائة في 2022. وشكّل القطاع غير النفطي، الذي يشمل القطاعين العام والخاص، 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، ارتفاعاً من أقل بقليل من 52 في المائة في 2012-2013. في المقابل، بلغت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية 41 في المائة في عام 2022، مقارنة بـ 39 في المائة في 2012-2013.

أما المجال الثالث، فمرتبط بالإيرادات الحكومية، حيث ارتفعت تلك غير النفطية إلى 32 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية في عام 2022، من أقل من 10 في المائة في 2012-2013.

والمجال الرابع والأخير، هو انخفاض اعتماد الشركات الخاصة على العمال غير السعوديين وانخفاض اعتماد المواطنين السعوديين على التوظيف في القطاع العام.

قطاعات تدفع بالتنوع الاقتصادي

تشهد العديد من القطاعات غير النفطية في السعودية توسعاً كبيراً  يمكن إيجازها بخمسة رئيسية:

أولاً: التحول الرقمي، بما في ذلك تطوير استراتيجية الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المملكة. وقد وضعت “رؤية 2030” التحول الرقمي على رأس أولوياتها، ورسمت له استراتيجية متكاملة وحاسمة وعملية تهدف إلى تمكين وتسريع التحول الحكومي بكفاءة وفاعلية.

ويبلغ حجم إنفاق السعودية على الحكومة الرقمية أكثر من 12 مليار ريال (حوالي 3 مليارت دولار) سنوياً، الأمر الذي انعكس على تحقيق مؤشرات ونتائج إيجابية مبكرة في هذا المجال.

وتشهد المنصات الحكومية الرقمية في المملكة تطورات متسارعة تعزز من التنافسية، وتسهل دخول الشركات والمؤسسات الى السوق المحلية، لتحقيق مستهدفات البلاد في تشجيع الاستثمار والنمو من خلال خدمات سلسة وذات جودة عالية.

وترجم هذا التحسن في نمو مؤشر نضج التجربة الرقمية في السعودية بنسبة 80.6 في المئة.

ثانياً: مواصلة الجهود الرامية إلى الحفاظ على البيئة في الاقتصاد ودفع عملية التحول في مجال الطاقة. ففي إطار تعهدها تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، أطلقت المملكة مبادرة السعودية خضراء ورصدت مبالغ طائلة، حيث أنها قررت استثمار أكثر من مئة وثمانين مليار دولار لتحقيق أهدافها.

ثالثاً: تنمية المواهب وتوطينها، بما في ذلك تأمين أهداف التأميم وتوطين سلسلة التوريد والاقتصادات الصناعية واقتصادات المهارات.

رابعاً: النمو السكاني، حيث تجذب إصلاحات التأشيرات الجديدة المغتربين وزيادة الحوافز التجارية لكل من الشركات والشركات الصغيرة والمتوسطة داخل المنطقة.

خامساً: الضيافة والسياحة، بما في ذلك الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والإصلاحات الأخيرة المتعلقة بالتأشيرات. وكانت القوانين والمبادرات السياحية الجديدة وفرت سهولة الوصول إلى التأشيرات وتطوير مناطق الجذب السياحي مثل موسم الرياض والعلا وغيرها. وتتوقع المملكة أن يصل عدد السياح إلى 25 مليوناً  بحلول عام 2023، بزيادة حوالي 43 في المئة عن عام 2019.

ولكن هل وصلت السعودية إلى تحقيق هدفها بالكامل؟

لا شك أن المملكة حققت تقدماً ملموساً في التنوع الاقتصادي عبر رفع قاطرة اقتصادها غير النفطي، إلا هذا المسار لن ينتهي في نهاية عام 2030، موعد تحقيق أهداف الرؤية.

“إنه عمل مستمر” يقول وزير المالية محمد الجدعان ويشدد في الوقت نفسه على دور الشركات والمستثمرين في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.

“إذا فشلنا في إشراك القطاع الخاص الذي هو أكثر فعالية من الحكومة، فسيكون من الصعب تحقيق برنامج التنويع وفقاً لرؤية 2030″، يضيف.

من هنا كانت إلتفاتة الحكومة إلى القطاع الخاص وتعبيد الطريق أمامه ليكون له دور فاعل في التنويع الاقتصادي ورفع مساهمته في الناتج المحلي الى 65 في المئة.

كما أن دفع مبادرات الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام الخاص هو أمر مهم، كونها تساهم في تعزيز الايرادات غير النفطية. يشار هنا إلى ان الممكلة كانت حددت 59 مبادرة لكسب 143 مليار ريال في الدخل غير النفطي من خلال مبيعات الاصول والشراكات بين القطاعين العام والخاص بحلول العام 2025 وفق تقرري المركز الوطني السعودي للتخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر في أغسطس (آب) من العام 2021.

وأخيراً، سيبقى صندوق الاستثمارات العامة محركاً أساسياً للنمو وسيوفر حافزاً إضافياً للاقتصاد، بما يشمل إمكانات القطاعات غير النفطية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من الأخبار الاقتصادية.