Share

ماذا يعني الدولار القوي بالنسبة للدول؟

للدولار القوي تداعيات واسعة على الأميركيين والاقتصاد العالمي
ماذا يعني الدولار القوي بالنسبة للدول؟
قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى وصلت إلى أعلى مستوياتها في 20 عاماً

كيف يؤثر الدولار القوي على الاقتصادين الأميركي والعالمي؟ فقيمة العملة الأميركية الأقوى في العالم مقابل العملات الرئيسية الأخرى وصلت إلى أعلى مستوياتها في 20 عاماً. وحتى مع تصاعد المخاوف من الركود وإظهار الاقتصاد الأميركي بوادر التباطؤ، يستمر الدولار في الارتفاع.

صعود الدولار، وهو العملة الرئيسية التي تحرك التجارة العالمية، جاء في المقام الأول نتيجة رفع معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي. ومع إصرار المصرف المركزي الأميركي على الاستمرار في مسار رفع الفائدة بهدف لجم التضخم، لا يبدو أن هناك عوامل قد تحد قريباً من المنحى التصاعدي لقيمة الدولار.

أسعار الفائدة المرتفعة اليوم جعلت من الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين، لانهم يحصلون من خلاله على عائد أكبر. ومع تراجع توقعات النمو للاقتصاد العالمي، أصبح المستثمرون أكثر قلقاً وراحوا يتوافدون على العملة الخضراء، ووضعوا أموالهم في أصول أكثر أماناً مثل سندات الخزانة الأميركية. أدى هذا بدوره إلى ارتفاع في قيمة العملة الأميركية.

عامل آخر ساهم في قوة الدولار، وهي الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت إلى إضعاف الاقتصادات الأوروبية وجعل أسعار الغاز الطبيعي ترتفع بشدة، مما جعل الاقتصاد الأميركي يبدو أكثر صحة مقارنة بنظيره الأوروبي. فكما هو ملاحظ، ورغم أن كل الاقتصاديين يتحدثون عن ركود محتمل للاقتصاد الأميركي، لكنه لا يزال يؤدي بشكل أفضل من كثير من الاقتصادات الأخرى.

ماذا يعني الدولار القوي للأميركيين؟

 

يساعد الدولار القوي في كبح التضخم عن طريق جعل المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة أرخص، ويجعل الرحلات إلى الخارج أقل تكلفة بالنسبة إلى المسافرين الأميركيين.

لكن مع ارتفاع الأسعار إلى ما هو عليه اليوم، قد لا يوفر ذلك الكثير من الراحة للمستهلكين. بمعنى آخر، قد تساهم قوة الدولار في خفض ما نسبته حوالي 0.3 في المئة من التضخم الاجمالي، لكنها نسبة قليلة اذا ما قورنت بزيادة الـ9.1 في المئة في أسعار المستهلك مقارنة بالعام الماضي.

كما أن الشركات الأميركية الكبرى التي لديها أعمال كبيرة في الخارج تعاني، لأن الدولار القوي يضر بأرباحها. فمبيعاتها الأجنبية تفقد قيمتها عند تحويلها مرة أخرى إلى دولارات، وتصبح أقل قدرة على المنافسة مع الشركات المحلية حيث تصبح منتجاتها باهظة الثمن في الخارج.

وهذا ما حصل منذ أيام. فالدولار القوي قضى على مليارات الدولارات من مبيعات الربع الثاني للشركات الأميركية، ما دفع كثيرين إلى خفض توقعاتهم لبقية العام. ومن الشركات المتضررة مثلاً “آي بي إم” و”نتفليكس” و”جونسون آند جونسون” و”فيليب موريس”. وانضم إليها عمالقة صناعة التكنولوجيا الذين يولدون جزءاً كبيراً من أرباحهم خارج الولايات المتحدة، مثل “مايكروسوفت” و”ميتا” و”آبل” وغيرها.

وفي المقابل، يتسبب الدولار القوي برفع تكلفة الصادرات في الخارج، مما قد يضر بالشركات الأميركية التي تصدّر السلع أو الخدمات.

وماذا عن الدول الأخرى؟

 

يؤدي الدولار القوي إلى تكدس الخسائر على مستثمري الأسهم والسندات في رؤوس الأموال المالية في كل مكان وليس في الولايات المتحدة فقط.

كما يتسبب في الدول الأخرى بارتفاع أسعار الواردات، مما سيؤدي إلى المزيد من ارتفاع معدلات التضخم فيها، وبالتالي تعميق الفقر. وهو حال الكثير من دول المنطقة، في مصر وتركيا ولبنان مثلاً، والتي تعتبر دول مستوردة. فمعظم السلع الأولية، من النفط إلى القمح مسعرة بالدولار، مما يعني أنها تدفع أكثر بعملاتها المحلية مقابل كل برميل أو بوشل تشتريه.

ويمكن أن يكون التأثير كبيراً جداً بالنسبة للاقتصادات الناشئة. فعندما تكون أسعار الفائدة الأميركية منخفضة، يميل المستثمرون العالميون إلى الاستثمار أكثر في الأسواق الناشئة. لكن مع ارتفاع الفوائد هذا العام، بدأنا نلمس تخارجاً سريعاً للأموال من الأسواق الناشئة (كما حصل في مصر مثلاً) بعدما بدأت الأسعار في الارتفاع في الولايات المتحدة وصعد الدولار.

ويعرض الدولار القوي البلدان التي تتعامل مع جبل من الديون، لخطر أكبر بالتخلف عن سداد ديونها، كما حصل فعلاً مع سريلانكا مثلاً. إذ انه سيصبح من الصعب عليها سداد مدفوعاتها مع ارتفاع الدولار وانخفاض قيمة عملاتها.

هل سينخفض الدولار في أي وقت قريب؟ لا يبدو أن الجواب سيكون وردياً في ظل التوقعات شديدة القتامة التي أطلقها منذ أيام صندوق النقد الدولي وفيما الآفاق الاقتصادية ضبابية جداً.