Share

مصر تواجه تحديات ثقيلة.. والإصلاح حل أوحد لمواجهتها

هل يمكن أن تكبح الإصلاحات آثار التضخم؟
مصر تواجه تحديات ثقيلة.. والإصلاح حل أوحد لمواجهتها
الجنيه المصري

يكاد لا يخلو يومٌ من نشر أخبار مرتبطة باقتصاد مصر وبالتطورات المعيشية فيها. ففي العام الماضي، تعرض اقتصاد هذه الدولة التي بات عدد سكانها يتجاوز الـ105 ملايين نسمة، لضغوط شديدة نتيجة اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ما تسبب بتراجع دراماتيكي للجنيه المصري، وشح كبير في العملة الأجنبية، وارتفاع شبه قياسي لمعدلات التضخم. وهو ما أثقل كاهل المصريين وخفّض مستويات معيشتهم.

في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على منحها قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار مقابل سلة من الإصلاحات والشروط. لكن مصر لم تتمكن من تنفيذ جميع الشروط المطلوبة منها، وهو الأمر الذي تسبب بتأخير إجراء المراجعة الأولى للبرنامج من قبل الصندوق تمهيداً للإفراج عن شريحة ثانية من القرض بقيمة نحو 347 مليون دولار، والتي كان يفترض أن تتم في مارس/آذار الماضي.

“سيتم تحديد مراجعة البرنامج بناءً على التقدم الذي تحرزه الحكومة. ستسمح لنا الخطوات والتقدم المحرز باكتساب الثقة بأننا نسير على الطريق الصحيح ثم ننتقل إلى المرحلة التالية”، وفق تصريحات نائبة المديرة العامة للصندوق، أنطوانيت ساييه، التي زارت مصر مؤخراً.

وتتلخص الإصلاحات في شرطين أساسيين هما مرونة حقيقية في العملة المصرية، وخصخصة أصول الدولة.

لكن، ورغم تعهد الحكومة لصندوق النقد الدولي بتحريره، لم يتحرك الجنيه المصري مقابل الدولار منذ فترة. وكانت مصر حرّرت عملتها 3 مرات منذ مارس/آذار 2022 حتى يناير/كانون الثاني الماضي، ما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25 في المئة خلال الربع الأول من 2023، وبنحو 50 في المئة منذ مارس/آذار من العام الماضي، بداية الأزمة الروسية – الأوكرانية.

فيما تواجه مشاريع خصخصة شركات حكومية بعض العقبات، حيث كان من المفترض أن تجمع مصر ما قيمته ملياري دولار من عمليات تخارجها من شركات حكومية، واللازمة لتحقيق أهداف تمويل برنامج صندوق النقد الدولي للسنة المالية 2023 (المنتهية في يونيو).

إلا أنه حتى نهاية يونيو لم تستطع الحكومة إلا جمع مبلغ عسير جداً، وهو ما يطرح تساؤلات عن مصير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن في التاسع من فبراير/شباط، عزم مصر بيع حصص في 32 شركة حتى نهاية مارس/آذار 2024.

وتحاول مصر من خلال طرح شركات حكومية جذب الاستثمارات وبالتالي جذب العملة الصعبة، إلى جانب توسيع قاعدة الملكية وتعميق البورصة وزيادة سيولة الأسهم المتاحة في البورصة.

قراءة المزيد: لماذا قرر المركزي المصري تثبيت الفائدة.. وما التالي؟

مهمة صعبة

لا شك أن الحكومة المصرية تواجه مهمة صعبة لجمع السيولة اللازمة لسداد ديونها الخارجية، في إطار سعيها لتوفير سيولة نقدية جديدة، وتمويل مشاريع البنية التحتية، ودعم العملة المحلية.

وكانت القروض الخارجية لمصر قفزت إلى 162.9 مليار دولار بحلول ديسمبر /كانون الأول 2022، من أقل من 40 مليار دولار في 2015. وفي الربع الأخير من عام 2022 لوحده، قفز الاقتراض بمقدار 8 مليارات دولار.

هذا الامر لم يكن ليشكل أي عائق في ما لو كانت مصر تحقق نمواً جيداً. لكن تراجع معدلاته والذي جاء في وقت شهدت مصر تخارجاً كبيراً للأموال الساخنة (قدرت بحوالي 22 مليار دولار)، أقلق المستثمرين من عدم قدرة الحكومة المصرية على السداد سيما وأن جزءاً كبيراً من الأموال الضخمة التي تقترضها مصر تنفقها على مشاريع لن تولد بسرعة العملة الأجنبية التي تحتاجها.

ويطالب صندوق النقد الدولي لحكومة المصرية بـ”تقليص وتيرة المشاريع القومية الكبيرة التي تضغط على سعر الصرف وتتحول إلى نظام سعر صرف مرن”.

وكانت وكالة “موديز” أعلنت في تقرير لها أخيراً، أن التزامات الدين الخارجي الكبيرة لمصر أصبحت تمثل تحدياً متزايداً.

وبلغ إجمالي قيمة الالتزامات على مصر خلال العام المالي الجاري 2022-2023 (بين شهر يوليو/تموز 2022 ويونيو/حزيران 2023)، نحو 20.2 مليار دولار، منها نحو 8.7 مليارات دولار خلال النصف الأول الذي انتهى في ديسمبر /كانون الأول 2022.

وفق بيانات المصرف المركزي، فإن المدفوعات المستحقة شملت 2.49 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل في يونيو/ حزيران، مقابل 3.86 مليار دولار في النصف الثاني من 2023 في شكل قروض قصيرة الأجل، و11.38 مليار دولار من الديون طويلة الأجل.

وهناك ديون أخرى مستحقة لمقرضين أقل مرونة مثل صندوق النقد الدولي (بديون مستحقة تُقدر بـ2.95 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023)، وحاملي السندات الأجانب الذين يستحقون 1.58 مليار دولار.

ويرى محللون أن هدف مصر يجب أن يكون خفض نسبة الدين على المدى المتوسط، ويشرحون أن الوسيلة لتحقيق هذا الهدف هي من خلال الحفاظ على الفوائض الأولية فوق نسبة 2-1/2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يتم من خلال المزيد من الإيرادات ومن خلال التخفيضات في الإنفاق.

وكان البرلمان المصري وافق في أواخر مايو/أيار على مشروع قانون لزيادة الرسوم يجنب الحكومة مزيداً من الاقتراض.

الجنيه المصري

تواجه مصر ضغوطاً كبيرة لتحرير سعر صرف عملتها، سيما وأن المصارف العالمية لا تنفك في التركيز على التفاوت بين السعر الرسمي لصرف الجنيه وسعره في السوق الموازية، والفروقات مع العقود المستقبلة.

كما أن المستثمرين يريدون أن يتأكدوا قبل ضخّ أموالهم، من حصول خفض إضافي في قيمة الجنيه كي لا يتكبّدوا خسائر.

هو حال دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات وقطر التي تأهبت لتوفير الدعم لمصر عند مواجهتها الأزمة في 2022 وأودعت ما قيمته 13 مليار دولار في مصرفها المركزي، والتي تترقب وضوح الرؤية على نحو أكبر بشأن الجنيه وإثبات أن مصر تجري إصلاحات اقتصادية عميقة وتطبق شروط صندوق النقد الدولي قبل ضخ استثمارات بمليارات الدولارات.

وفي المقابل، فإن الجانب المصري يسعى إلى تخزين أكبر قدر من العملة الصعبة قبل تحرير العملة، بأمل مراكمة المعروض اللازم لتلبية طلب السوق على الدولار، وتجنّب انهيار أكثر حدّة بالجنيه، وتوفير المتطلبات الأساسية بما يسهم بكبح تضخم الأسعار الأعلى منذ عقود.

فأرقام التضخم على مسار صعودي ليقترب في مايو/أيار من أعلى مستوياته على الإطلاق تحت ضغوط رفع الحكومة لأسعار السولار، ليسجل 32.7 في المئة من 30.6 في المئة في أبريل/نيسان.

وتأمل الحكومة المصرية من خلال قرار زيادة سعر السولار أن تؤمن أكثر من نصف مليار دولار للخزينة سنوياً، مع العلم أنها المرة الأولى التي ترفع فيها أسعار السولار منذ يوليو/تموز 2022.

وفي هذا الإطار، ينصح صندوق النقد الدولي المصرف المركزي المصري بـ”الوقوف على أهبة الاستعداد للتصدي بحزم للضغط التصاعدي على التضخم”.

ختاماً، إنها لا شك مهمة صعبة بالنسبة لمصر لكنها لن تكون بالتأكيد مستحيلة للخروج من هذا النفق المظلم ومن الحلقة المفرغة. و”الوصفة” معروفة عنوانها الإصلاح فيما التطبيق يحتاج للتوافق على تسريع التدابير التي من شأنها أن تنقذ الاقتصاد المصري من الغرق.

لمزيد من الأخبار عن مصر، انقر هنا.