تم استخدام مصطلح “بيتكوين” للمرة الأولى بواسطة ساتوشي ناكاموتو ذي الشخصية الغامضة، في ورقة بيضاء نُشرت في 31 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2008. على مدى السنوات الـ 14 التالية، أحدثت “بيتكوين” لا محالة تغييراً جذرياً في وجه التمويل. لكن عدم قدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة سيجعل الرحلة إلى الأربعة عشر القادمة أكثر صعوبة.
تم بناء “بيتكوين” وفق مفهوم يتيح إجراء المعاملات دون إشراف طرف ثالث مركزي، كالمصرف أو المؤسسة المالية. وساعد ظهور هذه العملة اللامركزية في خضم أزمة مالية عالمية زعزعت ثقة الناس في المصارف المركزية على نحو غير مسبوق، ساعد “بيتكوين” على اكتساب قدر مدهش من الزخم.
وساعدت الشعبية المتزايدة التي اكتسبتها العملة على ارتفاع سعرها من لا شيء إلى ما يقرب من 70 ألف دولار، قبل أن يؤدي شتاء التشفير السائد إلى تدهور سعرها إلى حوالي 20 ألف دولار، وهو رقم لا يزال يؤرّق بعض ممّن اعتادوا استخدامها لشراء فنجان من القهوة في العام 2014.
وتجاوز العدد الإجمالي للعناوين الخاصة بـ”بيتكوين” المليار في يوليو/تموز من العام الحالي. ومن غير المستغرب أن نجاح “بيتكوين” أدى إلى طفرة العملات المشفرة، التي بات الكثير منها اليوم في غياهب النسيان. في المقابل، تمكّنت قلّة قليلة من النجاة، وشهدت ازدهاراً كبيراً، بفضل سعي مطوّريها على استثمار مفهوم اللامركزية والابتكار إلى ما هو أبعد من أحلام ناكاموتو الجامحة.
ثم استخدمت عملة البيتكوين شهرتها لمصلحتها الخاصة. بفضل نجاحها الصاروخي، استحالت العملة المشفرة بطيئة وباهظة الاستخدام، مما أتاح مساحة أكبر لنمو أقرانها. في الواقع، شهدت هيمنة “بيتكوين” من حيث القيمة السوقية، والتي تجاوزت 99 في المئة في العام 2015، تراجعاً هائلاً، بحيث باتت تقف اليوم عند حدّ بتجاوز بقليل 40 في المئة.
حتى من الناحية التقنية، لم تعد “بيتكوين” المنتج الثوري الذي كانت عليه من قبل. يوضح هذا المقال بسلاسة الاختلاف في عملة البيتكوين اليوم مقارنة بالفكرة الأصلية التي تضمنتها الورقة البيضاء منذ 14 عاماً.
من منظور أوسع، ربما يكمن الاختلاف الأكبر في التدهور المستمرّ لآلية إجماع إثبات العمل التي تفتقر للكفاءة على صعيد الطاقة، مما يفسح المجال لآلية إثبات الحصة الصديقة للبيئة، والتي تم في الآونة الأخيرة اعتمادها بنجاح بواسطة “إثريوم”.
إقرأ أيضاً: ما هو دمج “إثيريوم”؟
حتى قبل إتمام عملية الدمج، تصدّرت “إثيريوم” المشهد، بحيث أطاحت رويداً رويداً بحصة “بيتكوين” في السوق. عززت “إثيريوم” بفضل كتبية كبيرة من المطوّرين نظامًا بيئيًا حول نفسها يتكون من الرموز غير القابلة للاستبدال، ومئات التطبيقات اللامركزية (dapps). أدت قابلية استخدام “إثيريوم” إلى اعتقاد الكثيرين بأن العملة تستعد للإطاحة بـ“بيتكوين” لتهيمن على سوق التشفير في المستقبل غير البعيد.
وبالرغم من المصير النهائي “بيتكوين”، يجب أن يفخر عالم العملات المشفرة على الدوام بـ”بيتكوين” وتقنية “البلوكتشين” الرائدة التي تقوم عليها. بناءً على كل ما ورد، إن الإرث الحقيقي لـ”بيتكوين” لا يكمن في سعرها أو قيمتها السوقية، بل بالثورة في عالم المال التي ساعدت في إحداثها، والتي سيترتّب عنها – أو ترتّب بالفعل – في نهاية المطاف تداعيات على كلّ منا.